انسجاما مع المعاهدات والاتفاقيات الدولية نص قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل، على اعتبار جريمة الاتجار بالبشر ضمن أحكام الاختصاص الشامل في المادة (13) منه، وهذا الاختصاص يعني ان كل دولة تقوم بتطبيق قانونها الجنائي على كل متهم بارتكاب هذه الجرائم بصرف النظر عن جنسية المتهم وعن مكان ارتكاب الجريمة فيها، على اعتبار ان خطورة مثل هذه الجرائم تهدد الأمن الدولي والمصالح المشتركة بين الدول، ووفقا لهذا الاختصاص تسري العقوبات المنصوص عليها في القانون على كل متهم وجد في العراق بعد ان ارتكب في الخارج بوصفه فاعلا او شريكا في جريمة من جرائم تخريب أو تعطيل وسائل المخابرات والمواصلات الدولية والاتجار بالنساء او بالصغار أو بالرقيق أو بالمخدرات .
وهذا النص يتطلب توفر مجموعة من الشروط، منها أن تقع الجريمة خارج العراق، وان يتواجد الجاني في العراق بعد ارتكابه الجريمة، وأن يكون أجنبيا، وان يكون الفعل معاقبا عليه وفقا للقانون العراقي، وأمام الحالات الجنائية التي ارتكبتها المجموعات الإرهابية في الاتجار بالبشر تحت شتى المسميات والتبريرات، كان لابد من قانون يحكم مثل تلك الظواهر الإجرامية، ولابد بالإضافة إلى العقوبة من ان يرسم القانون سبل مكافحتها والحد من استمرار ارتكابها، باعتبارها جرائم بالغة الخطورة والخسة، وتتعدى على الكرامة والأمن البشري .
وأبدت الأمم المتحدة اهتماما خاصا بقضية المتاجرة بالبشر، باعتبارها شكلاً من أشكال الجرائم المنظمة، والتي تمثل صورة من صور الاسترقاق البشري، وتتعدى قضية تهريب اللاجئين وبيع الأعضاء البشرية والمتاجرة بالصغار من اجل البغاء والجنس غير المشروع، لتتطور الى عمليات البيع والأسترقاق والعبودية، فأصدرت بروتوكول مكافحة الاتجاربالبشر وتبنته الأمم المتحدة في باليرمو في عام 2000 ودخل حيز التنفيذ في 25 كانون الأول 2003، وفي آذار من عام 2003 صدقت عليه 117 دولة و124 طرفًا .
وبرزت ظاهرة الاتجار بالبشر بشكل لافت في السنوات الأخيرة بالتزامن مع تردي ظروف العراق السياسية وبنتيجة الحروب التي حدثت في فترة النظام الدكتاتوري السابق، وتزايد ظاهرة هجرة العراقيين طلبــا لقبولهم كلاجئين سياسيين أو إنسانيين .
ويبدو ان هناك خلطا بين مفهوم الاتجار بالبشر وبين عمليات تهريب البشر التي راجت في الفترة الأخيرة بين الدول، ومع ان كليهما من العمليات المخالفة للقوانين وتوجبان فرض العقوبة القانونية على مرتكبيها ما يتطلب الفصل بين كل منهما، حيث ان جريمة التهريب تتطلب موافقة ذوي العلاقة على العملية، بل ودفعهم أموالا ثمنا لتسهيل واكتمال العملية، بقصد إيصال الأشخاص المراد تهريبهم الى دولة أخرى لمختلف الأسباب، إلا أن الأشخاص المتاجر بهم لا يعرفون في اغلب الأحيان نوع الأعمال التي سيؤدونها، وقد يتفق الطرفان على الوسيلة والطريق التي يتم سلوكها في سبيل الوصول الى الهدف في عمليات التهريب، في حين لا يتطلب الأمر في عملية الاتجار بالبشر موافقة ذوي العلاقة، ولا دفعهم اموالا لاكتمال العملية التي تتم قسرا ودون رغبتهم ورغما عنهم، وليس للطرف المتاجر به معرفة الوسيلة والطريق المراد سلوكها، وعملية تهريب البشر تتم عبر عدد من الدول، في حين ان عملية الاتجار بالبشر من الممكن أن تقع ضمن نطاق الدولة نفسها، بالإضافة الى التباين في نتائج كل عملية، فعملية تهريب البشر تنتهي بوصول الأشخاص المراد تهريبهم الى المكان المتفق عليه أو الى أي مكان آخر، بينما تستمر عملية الاتجار بالبشر باستغلال الضحايا والمتاجرة بهم وإجبارهم على القيام بإعمال قسرية وممارسة القوة والعنف أحيانا لإرغامهم وإجبارهم على الالتزام بهذه الأعمال .
ووفق الإطار العام تشكل المتاجرة بالبشر جريمة دولية وانتهاكا خطيرا للقوانين، حيث تتشعب إلى عدة أشكال، منها ما يتعلق بالمتاجرة بالجنس سواء كان المجني عليه من الفتيات اللواتي لم يبلغن الثامنة عشرة من العمر والأطفال بشكل عام، أو حتى النساء اللواتي بلغن السن القانونية، كما يمكن أن يأخذ الاتجار شكل تجنيد أعداد من البشر بقصد أعمال الخدمة أو أعمال السخرة أو أعمال قسرية، ووفق هذه الأشكال يمكن استعمال عدة وسائل لتنفيذ جرائم الاتجار بالبشر منها ما يتعلق بالتزوير أو الإكراه أو التهريب.
عند معالجة جريمة الاتجار بالبشر وتفصيلها ينبغي علينا معالجة قانونية الجريمة بوصفها من الجرائم الخطيرة التي يعاقب عليها القانون الوطني وينص على تجريمها ومكافحتها، وكذلك معالجة وضع الضحايا الذين وقعت عليهم الجريمة، أي إيجاد وسائل وأسس لحمايتهم وإعادة تأهيلهم بما يحفظ لهم كرامتهم الإنسانية وحقوقهم التي أكد عليها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، لأن هاتين الفقرتين في المعالجة تشكلان أسس معالجة ما تعكسه جريمة الاتجار بالبشر وما تتركه من نتائج سلبية على المجتمعات وعلى الضحايا.
كما أن جريمة الاتجار بالبشر من الجرائم التي تقع على مجموعة بشرية وعلى بلدان متعددة وتخلف نتائج سلبية مشتركة على هذه البلدان، يكون مرتكبوها من المتهمين الذين يمارسون عمليات الاتجار سواء بشكل منظم آو بشكل منفرد، كما إنها تدفع البلدان المختلفة لتضمين قوانينها العقابية نصوصا تدين مرتكبيها بعقوبات صارمة تتناسب مع خطــورة الجريمة، ما يوجب تطوير أساليب ووسائل مكافحة الاتجار بالبشر و تنوع طرق المكافحة والمنع من خــلال المؤتمرات واللقاءات والبحوث القانونية و تفعيل عملية نشــر الــوعي القانوني ودور الثقافــة القانونية المهم في هذا الجانب، بالإضــافة الى النهوض بالعملية التشريعية بما يتناسب مع خطورة وأهمية تلك الجــرائـم ومعالجــة آثــارها.
واهتماما من المشرع العراقي في ان يخص مكافحة هذه الظاهرة بقانون يكافحها ويعاقب مرتكبيها، صدر القانون رقم 28 لسنة 2012 (قانون مكافحة الاتجار بالبشر) والذي أصبح نافذا .
وجاء في الأسباب الموجبة للقانون انه يهدف الى مكافحة جريمة الاتجار بالبشر والحد من انتشارها وأثارها ومعاقبة مرتكبي هذا الفعل الخطير الذي يهين الكرامة الإنسانية وبغية وضع الآليات التي تكفل مساعدة ضحايا الاتجار بالبشر .
وحيث ان هذا القانون تم تشريعه وأصبح نافذا وملزما فان ما ورد في البند (أ) من الفقرة خامسا، والذي يوجب على الحكومة اقتراح الإجراءات المناسبة لمساعدة ضحايا الاتجار بالبشر وحماية الشهود والمجني عليهم، يكون نصا إلزاميا، ومع إننا لم نلمس مثل هذا التنفيذ من قبل الوزارات المعنية، وخصوصا مع ضحايا الاتجار بالبشر والسبايا من الايزيديات اللواتي وقعن تحت رحمة داعش، وقد تمت ممارسة أبشع أنواع التنكيل والانتهاكات البشرية بحقهن، وقد تمكنت العديد منهن من الهروب والتخلص من براثن الدواعش دون أن تجد أية مبادرة أو مساهمة لمساعدتها وحمايتها من الحكومة الاتحادية ومن حكومة الإقليم، مع أن الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي وقعها العراق توجب المساهمة واتخاذ مثل تلك الإجراءات .
كما أن المادة ( 66 ) من القانون أو جبت توفير المساعدة المالية للضحايا وتوفير مكان سكن مؤقت لهم وبشكل يتلاءم مع جنسهم وفئاتهم العمرية ، وإعادة تأهيلهم من النواحي الاجتماعية والنفسية والبدنية من خلال إنشاء مراكز إيواء وتأهيل متخصصة تابعة لوزراة العمل والشؤون الاجتماعية بموجب نظام خاص لإعادة دمجهم في المجتمع .
ولان المتاجرة بالبشر كرقيق تعد انتهاكا صارخا للمجتمعات وتحديا للضمير الإنساني، كان لابد من صدور هذا القانون، مع التأكيد على ضرورة المعالجات الإنسانية والاهتمام بالدور المناط بالحكومة وبالمؤسسات المعنية لمواجهة هذه الظاهرة، والسعي إلى معاونة ومعالجة المجني عليهم فيها .
عليه فان المفهوم العام لعبارة الاتجار بالبشر والتي نصت عليها المادة الأولى من القانون هو تجنيد الأشخاص أو نقلهم أو إيواؤهم أو استقبالهم، بواسطة التهديد بالقوة أو استعمالها أو غير ذلك من أشكال القسر أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع أو استغلال السلطة أو بإعطاء أو تلقي مبالغ مالية أو مزايا لنيل موافقة شخص له سلطة أو ولاية على شخص آخر، بهدف بيعهم أو استغلالهم في أعمال الدعارة أو الاستغلال الجنسي أو السخرة أو العمل القسري أو الاسترقاق أو التسول أو المتاجرة بأعضائهم البشرية أو لأغراض التجارب الطبية . فأن هذا التعريف يحدد الحالات التي تقع فيها أجزاء وأشكال من جرائم الاتجار بالبشر، غير أن الجرائم التي ترتكبها العصابات الإرهابية داعش والقاعدة تفوق وتتعدى هذه التفرعات، لأن الجرائم تقع على الجنس البشري مباشرة، وإنهم استباحوا الكرامة والحقوق الإنسانية في الحياة والمعتقد ، حيث أن حالة المجني عليهم وأوضاعهم تشمل خضوعهم كليا لسطوة ونفوذ قسري من المجموعات التي تتخذ من الإرهاب وسائل وسلوك تجعلهم تحت عبودية وسلطة هذه الجماعات، فتحرمهم من حقهم في الحرية والأمان وحرمانهم حرمانا شديدا من حقوقهم الشخصية، وهذا السلوك المدان ينطوي على خطورة تتعدى فعل الجاني فيشترك معه المساهم في الشراء والتسهيل والاستغلال دون ان نجد أية إرادة أو حرية للمجني عليهم، ويجري بالإضافة الى تقييد الحريات وانعدام الإرادة ومنع التعبير عن العقيدة، أن يتم استغلال أجساد الضحايا جنسيا او ماديا بأي شكل من الأشكال .