في العام 2004 أثيرت عاصفة من الجدل والمتابعة بعد نشر ملفات كوبونات صدام النفطية ، وفضحت جريدة المدى وموقع إيلاف الالكتروني العديد من أسماء أصحاب الكوبونات الذين نفى قسم منهم تلك الاتهامات ودافعوا عن سمعتهم ومكانتهم ، وقسم برر تلك الاتهامات على إنها من اجل التسقيط السياسي والفبركة الإعلامية ، في حين لاذت العديد من تلك الأسماء والجهات بالصمت ، وكان جميع من اطلع على الأسماء والمراكز السياسية التي اتهمت بالاستفادة من أموال ونفط العراق مندهشا من حجم التعامل وشراء الذمم والضمائر في حال صحة تلك الاتهامات ، وثبت بالدليل القاطع تقاضي تلك الأسماء والجهات ثمن تلك الكوبونات في الوقت الذي كان المواطن العراقي محاصرا ويعيش أحلك أيامه .
الجهات التي نشرت الأسماء ( لشركات وأحزاب وشخصيات سياسية ) تضمنت تخصيص كميات كبيرة من براميل النفط العراقي وتسليمها لهم لتسويقها والاستفادة من ثمنها ، بالنظر لكون الحصار الدولي الذي أطبق على رقاب العراقيين يبيح لمثل هؤلاء التسويق والنقل والبيع ، غير ان ما يلفت النظر ان مثل هذه الأسماء لا تعمل في المجال النفطي وليس لها ارتباط بالمصافي او مخازن النفط الخام ولا بسوق النفط الدولي .
ومع إننا لا ننفي فساد النظام السابق ومنهجه في شراء الذمم والضمائر ، وبعثرته لثروات العراق مثلما يحصل اليوم ، فان القوائم تضمنت ملايين البراميل النفطية التي منحها النظام لهذه الأسماء ، دون ان نجد ما يؤيد قبض أثمانها أو الحد الأدنى من الثمن ، وعلى أمل ان تعرض القوائم والأسماء على المحاكم الدولية ، ويفترض بالعراق كدولة متابعة الموضوع قانونيا وقضائيا ، وملاحقة من قبض ثمن ملايين البراميل دون ان يسدد أثمانها ليعيد لخزينة الشعب العراقي حقوقه .
وتم عرض القضية مقترنة بالقوائم والمستندات على اللجنة الدولية المكلفة بالتحقق في اختلاسات برنامج النفط مقابل الغذاء ، حيث يتم التحقيق في خروج كمية من النفط تعادل مبلغ أربعة وأربعين مليار يورو ، وكلفت تلك اللجنة بالتدقيق والتحقيق في عملية سوء استخدام تلك الكميات من النفط والأسس التي تم اعتمادها في تسليم تلك الكوبونات التي قام بعض من أصحابها ببيعها قبل الاستلام .
ومع ان الحكومة العراقية ملزمة بمتابعة تلك القضية وتوضيح ما توصلت إليه في بيان الى الشعب العراقي ، إلا إننا نجد ان تعتيما أكتنف القضية التي ضاعت مثلما ضاعت العديد من الملفات التي خسر العراق بها المليارات من الدولارات ، وهذا الأمر بحد ذاته يؤكد بان السلطة التنفيذية والحكام المسؤولين عن إدارة العملية السياسية في العراق غير جديرين وغير مهتمين او متفهمين ، او انهم تعرضوا لضغوط وأوامر تقضي بان يتم غلق الملف ولفلفة الموضوع دون علم العراقيين .
ومن الجدير بالذكر ان برنامج النفط مقابل الغذاء هو برنامج الأمم المتحدة، الصادر بموجب قرار مجلس الأمن الرقم 986، لعام 1995 ، المسمى برنامج النفط مقابل الغذاء ، وهو برنامج يسمح للعراق بتصدير جزء محدد من نفطه، ليستفيد من عائداته على أساس شراء الاحتياجات الإنسانية لشعبه، تحت إشراف الأمم المتحدة ، إلا أن تلك الكوبونات لم تكن تسهم في الاستفادة أو التنفيس عن الحصار المفروض على العراقيين ، ولم تكن السلطة بذاتها محاصرة أو إنها تعاني مثل باقي الناس من ذلك الحصار ، فالحصار لم يشمل السلطة إنما كان مفروضا على الشعب العراقي بالإضافة لما يفرضه النظام الدكتاتوري عليه .
وإذا صح خبر استلام هذه الأسماء الكوبونات التي تتضمن ملايين البراميل النفطية الخام ، والتي بيعت بملايين الدولارات ، فإنها تشكل وبلا شك سرقة علنية ومنظمة لثروة العراقيين وحقوقه ، وتخضع إلى المسائلة والتحقيق والمحاكمة ، مهما كانت الصفة التي يحملها الشخص أو الشركة أو الحزب ، وأينما كان مكانه .
وتتحمل الحكومة وزر متابعة أو ضياع القضية والمبالغ الناتجة عنها باعتبارها من الثروات الوطنية التي تعود للعراقيين عموما ، بالإضافة الى ان الصمت والسكوت وغض النظر يشكل أسهاما يساند الفشل والفساد لم يعد السكوت عنه امرا مقبولا .