في بلدة من بلدات العراق هناك بيت يدعى (( بيت صباغ الحمار )) ، ويشاع بان اللقب بسبب ارتكاب أحد أجدادهم جناية سرقة حمار ومحاولة صبغة لإخفاء السرقة ، وبالرغم من تغير الزمن وتبدل الأوضاع ، وبالرغم من رحيل الأجداد وتعدد الأجيال ، الا ان اللقب بقي لصيقا بالبيت الذي يطلقه أهل المدينة عليهم .
كانت القيم العراقية تتجاوز القوميات والأديان والمذاهب ، فالسارق هو من يسرق او يختلس مال غيره عمدا ، والمختلس هو موظف لدى الدولة اختلس المال العام واستحوذ عليه وتصرف به ، وخيانة الأمانة تعني استعمال مال الغير المؤتمن عليه بسوء قصد خلافا للغرض الذي سلم له من اجله ، وتبقى التهمة لصيقة بالشخص الذي يحتقره المجتمع ، ولذلك أطلق القانون على هذا النوع من الجرائم وصف ( الجرائم المخلة بالشرف ) ، باعتبارها جرائم تتنافى بطبيعتها مع الأديان والأعراف والأخلاق ، وتنتهك قيم الرجولة والأمانة .
ولذلك أشار قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل ضمن تقسيم الجرائم من حيث طبيعتها ، في الفقرة ( 6 / آ ) من المادة ( 21 ) : أن الجرائم المخلة بالشرف هي السرقة والاختلاس والتزوير وخيانة الأمانة والاحتيال والرشوة وهتك العرض ، كما نص الدستور العراقي ضمن الفقرة أولا من المادة ( 73 ) الخاصة بصلاحيات رئيس الجمهورية إصدار العفو الخاص بتوصية من رئيس مجلس الوزراء باستثناء ما يتعلق بالحق الخاص والمحكومين بارتكاب الجرائم الدولية والإرهاب والفساد المالي والإداري .
كما ان قانون العقوبات نص على تشديد العقوبة وتطبيق الظروف المشددة في حال استغلال الجاني في ارتكاب الجريمة صفته كموظف او اساءته استعمال سلطته او نفوذه المستمدين من وظيفته ، يتم تشديد العقوبة حين يستغل الجاني وظيفته او نفوذه فيرتكب الجريمة سواء بالاختلاس أو خيانة الأمانة أو بالرشوة او بالاتفاق مع جهات يتم تمرير عقود وهمية او مزورة او نسبة من تلك العقود وبأي شكل من الأشكال مما يضعف ثقة الناس بالدولة واجهزتها القضائية والتنفيذية دون ان يشبع هؤلاء او يتوقفوا عن أكل السحت الحرام .
الوقائع التي سجلتها الفترة القصيرة التي امتدت من العام 2003 وحتى اليوم في قضايا سرقات المال العام والفساد تشكل نسب تصاعدية دون أن نسمع أو نلمس إجراء أو عقاب أو رادع ، وهي كلها أحدثت ضررا بليغا بالمجتمع وبالدولة وبالمال العام وبالمصالح الوطنية ، ومع كل هذا يبحث السياسيين الماسكين بزمام الحكم على تبريرات وتخريجات وقرارات تعفو الحرامي من العقوبة إذا ما قام باستثمار المال المسروق وأعاد ما تبقى منه بعد ان عزز سرقته بعقار أو بشركات تجارية أو بأرصدة توفر له المال .
لم تزل أحزاب السراق تدافع عنهم وتنشر التبريرات ، وقسم من أحزاب الحرامية تحاول صرف النظر عن قضاياهم ، وتسعى من خلال حصتهم التشريعية الذي يفترض أنها تدافع عن مجمل العراق ، لتمرر قوانين للعفو عن هؤلاء السراق ، ولا يخجل احد منهم ، ولم تزل أسماؤهم وصورهم ومكانتهم السياسية للاسف محل تقدير واحترام عدد كبير من الناس ، ولم تزل مراكزهم السياسية محترمة ومحمية .
أشار قانون العفو الأخير في المادة الأولى منه إلى يعفى عفواً عاماً عن العراقي المحكوم بالإعدام أو بإحدى العقوبات أو بالتدابير السالبة للحرية سواء كان الحكم وجاهياً أم غيابياً، أكتسب درجة البتات أو لم يكتسب ودون الإخلال بالمسؤولية المدنية أو التأديبية أو الانضباطية.
المـادة -2– تسري أحكام المادة (1) من هذا القانون على المتهمين كافة باستثناء من إرتكب إحدى الجرائم المنصوص عليها في المادة(5) من هذا القانون سواء إتخذت الإجراءات القانونية بحقهم أو الذين لم تحرك الشكاوى ضدهم سواء كانت قضاياهم في دور التحقيق أو في دور المحاكمة ويخلى سبيل من تم إلقاء القبض عليه منهم بقرار من المحاكم المشار في المادة(8) من هذا القانون بعد اكتساب قرارها درجة البتات.
والاستثناء تم تحديده ضمن المادة ( 5 ) التي تقول :
يستثنى من أحكام هذا القانون مرتكبوا الجرائم الآتية:-
أولاً- الجرائم المنصوص عليها من قانون المحكمة الجنائية العراقية العليا رقم (10) لسنة 2005(المعدل) ولا تسري عليهم أحكام المادة (10) من هذا القانون.
ثانياً- الجريمة الإرهابية التي نشأ عنها قتل أو عاهة مستديمة وجريمة تخريب مؤسسات الدولة وجريمة محاربة القوات المسلحة العراقية وكل جريمة إرهابية التي ساهم بارتكابها بالمساعدة أو التحريض أو الاتفاق.
ثالثاً- الجرائم الماسة بأمن الدولة الخارجي والداخلي المنصوص عليها في المواد من (156) إلى (198) من قانون العقوبات رقم (111) لسنة 1969 (المعدل).
رابعاً- جريمة الاتجار أو جريمة حيازة واستعمال الأسلحة الكاتمة للصوت والمفرقعات والأسلحة ذات التصنيف الخاص.
خامساً- جرائم الاتجار بالبشر وكل ما يندرج تحت عنوان (السبي) حسب ما يصطلح عليه عند الجماعات الإرهابية والتكفيرية.
سادساً- جرائم الخطف التي نشأ عنها موت المخطوف او مجهولية مصيره أو إحداث عاهة مستديمة.
سابعاً- جريمة تهريب المسجونين او المحبوسين أو المقبوض عليهم و جريمة إيواء المحكومين أو المتهمين عن الجرائم المستثناة في هذه المادة ان لم يكن المحكوم أو المتهم زوجاً أو قريباً من الدرجة الأولى.
ثامناً- جريمة الاتجار بالمخدرات .
تاسعاً- جرائم الاغتصاب واللواط والزنا بالمحارم.
عاشراً- جرائم الاختلاس وسرقة أموال الدولة و إهدار المال العام عمداً ما لم يسدد بذمته من أموال قبل إطلاق سراحه.
حادي عشر – جرائم تهريب الآثار.
ثاني عشر – جريمة غسيل الأموال .
ثالث عشر – جريمة تزييف العملة أو أوراق النقد او السندات المالية وجريمة تزوير المحررات الرسمية التي أدت إلى حصول المزور على درجة وظيفية في ملاك الدولة مدير عام فما فوق مع مراعاة ما ورد في المادة (4) من إحكام هذا القانون.
ونلاحظ ان الفقرة عاشرا من هذا النص ربطت جرائم الاختلاس وسرقة المال العام ( مال الدولة ) ، وإهدار المال العام عمدا إلا بعد تسديد ما بذمته قبل إطلاق سراحه ، اي ان بامكان كل من سرق واختلس وبدد عمدا المال العام ان يعيد ما تم تسجيله عليه من أموال ليتم إعفاءه من تبعات الفعل ومن نتائج السرقة وتوظيف أموال العراق لمصلحته الشخصية والمتاجرة بهذا المال ، لتصبح أفعال الاختلاس والسرقة وإهدار المال العام ( عمدا ) جميعها جرائم يتوقف عنها العقاب ويعود السارق والمختلس الهارب ليمارس عمله السياسي ويعود الى مركزه الحزبي والقانوني دون اي رادع او خجل .
هذه معايير وقيم تختلف عن معايير وقيم من يحتقر السارق ، قيم كانت العائلة كلها تخجل من ارتكاب احد أفرادها جريمة من الجرائم المخلة بالشرف ، بالرغم من انه لاتزر وازرة وزر أخرى إلا أن التفاخر والتباهي اليوم ان احد أفراد العائلة تمكن من تكوين نفسه ، وكان شاطرا وذكيا باستغلال الفرص ، وحشرا مع الناس عيد ، وليأخذ كل واحد حصته من جسد العراق المذبوح بأي شكل كان ، وبلغ الأمر ان يتم تبرير الجريمة بأنها غير ذات قيمة لأنها كانت على عدد قليل من ملايين الدولارات ، ولم تكن أسوة بسرقات واختلاسات وصلت المليارات من الدولارات .
يمكن لقرار العفو ان يعفي الجاني من العقوبة إلا انه لايمكن أن يمحو الإخلال بالشرف الذي سيلاحقه أينما كان .