ما لا يفهمه الداعشيون ولا بقايا البعث الصدامي أن بيتنا العراقي مزروع في ثنايا الروح، لا يمكن أن ينفصل عنها، مهما ابتعدنا واغتربنا واختلفنا يبقى العراق يطفو فوق النسغ الصاعد والنازل في اجساد اهل العراق، وهو السر العميق الذي بقي في جلسات وحكايات وبيوت اهل العراق، يهودا كانوا ام مسلمين ام مسيحيين أم مندائيين أم أيزيديين أم زرادشتيين، كلهم مهما ابتعدوا في بلاد الله، ومهما قست عليهم الظروف يبقى العراق البيت الذي يظللنا ويحمينا، وهو لنا مثلما نحن له، نتقاسمه ونتوزع فيه، ونقيم في كل بلداته البعيدة والقريبة، ونحتفل به في جوامعنا وحسينياتنا وكنائسنا وأديرتنا ومندياتنا ومراكزنا الدينية المقدسة، نمارس فيه طقوسنا سوية، لن يتمكن الدواعش ومن معهم من بهائم العرب والأجانب ان ينزعوه من أرواحنا، بيتنا الواسع الرحب الذي بنيناه بعرق اجدادنا وعمدناه بدماء أولادنا، ورصفنا تاريخه برموزنا.
ما لا يفهمه الداعشيون انهم لن يتمكنوا من نزع العراق من قلوب المسيحيين الذين تم تهجيرهم بالقوة، وتم تدمير كنائسهم التي يعبدون بها الله الواحد الأحد، وهو نفس الاله المبجل الذي يؤمن به المسلمون والمندائيون والأيزيديون والزرادشتية، وهو يختلف عن إله داعش ودين داعش، ومهما تشرد اهل العراق، وتوزعوا في كل دول العالم فانهم باقون يحملون في جنبات ارواحهم بيوتهم العراقية، لهجة وعشقا، غناء ورقصا، تراتيل وأدعية، طعاما وجلسات سمر، يحملون عشقا صوفيا لبلداتهم وعراقهم وتاريخهم، ميزة تقرأها في جبهات العراقيين وفي بحة اصواتهم، تستمع لها في نغمات الأغاني وفي حرقة الروح، وفي الحزن المتجذر منذ أيام سومر وبابل وأكد، وفي السواد الذي يصبغ ايامهم.
واهم من يعتقد أن العراقيين من المسيحيين سيتم سلخهم عن العراق، فهم ملحه ولبناته الأولى، وهم ابناؤه البررة، وأهله وجزء من عجينة ترابه، خلطوا ارواحهم بتاريخه، ونشروا سلامهم فوق أرضه، وواهم من يعتقد انه بتهديم كنائسهم الجميلة والعريقة سيجعلهم ينسون الله الواحد الأحد ويسوع المسيح) ع )، ووالدته القديسة الجليلة مريم بنت عمران، وواهم من يعتقد انه بإيقاع الأذى على ابناء الشبك يجعلهم يتركون حسينياتهم وجوامعهم، ويرحلون عن قراهم وبيوتهم الفقيرة والبسيطة التي ضمت كرمهم وأمانتهم وتاريخهم وأعمالهم البسيطة، وواهم من يعتقد انه يتمكن من أن يرعب الأيزيديين ويجعلهم ينسون لالش ويتركون العين البيضاء ويرحلون عن مدنهم وبيوتهم في بعشيقة وبحزاني والشيخان وسنجار دون ان تهيم ارواحهم فوقها عشقا ابديا مهما كانت عاديات الزمن وظروف العراق.
بيتنا العراقي الذي نتقاسمه لن يكون لغير العراقيين، ولن يضم ترابه سوى ارواحنا وتاريخنا، وقبلها ضم اجدادنا، مقابرنا وتاريخنا، فرحنا وحكاياتنا، طفولتنا وملاعبنا، بيوتنا ومرابعنا، وهو لن يقبل القسمة، فكل تراب فيه ملك لكل عراقي مهما كان دينه او قوميته او مذهبه .
حرارة الوشائج التي تربط العراقيين مهما ابتعدوا عن ليل العراق، لن يجمعهم سوى العراق، وهو قاسمهم المشترك، الحنين والشوق لوطن يختلف عن كل الأوطان مهما طال الاغتراب وأمتد زمن الهجرة، تبقى روح العراقي تضج بالحنين والشوق، تظهر في كلمة أو في لحن أو اغنية أو طرفة، وليس مثل العراقي من يبقى متعلقا بوطنه، فلا يستبدله بكل أوطان الأرض مهما منحته من مال وأمان ومكانة .
لن يتمكن احد ان يسلخ العراق من ارواح ابنائه، فهم يحملونه مع ارواحهم اينما حلوا، وهو الحضن الذي نتدفأ فيه، وهو الوطن الذي يقيم في عقولنا ونفوسنا العاشقة، تراه في كلماتنا وفي غنائنا وفي دعائنا وفي تراتيلنا وفي دعوات امهاتنا، تقرأه في دموع العيون وفي قصائد الشعراء، لن يتمكن أحد وهو يستغل لحظة غادرة أن يفصل العراق عن ارواح ابنائه المسيحيين ولا الشبك ولا الأيزيدية ولا الشيعة أوالسنة .
ولأسم العراق رنة مميزة وساحرة، فهو التاريخ والقيم، وهو الكرم والشجاعة، وهو الأصالة والتآخي، وهو العلاقة الأزلية المعجون اهلها بترابه، وهو السر الدفين الذي لن تتمكن داعش وأخواتها المتحالفة معها من فهمه وفك سره، فالعراقي الأصيل ما استل خنجرا يوما ليذبح عراقيا يختلف معه في الدين، والعراقي النقي المعجون بشمس تموز يلتصق بمحلته فتصير كلها اهله وشرفه دون ان تكون هناك فواصل دينية او عرقية أو اجتماعية، العراق الشراكة العربية والكردية والتركمانية والكلدانية والاشورية والارمنية، والعراق الذي لا يسأل احد من معارفه وأصدقائه عن دينهم أو قوميتهم، العراق المسلم والمسيحي والمندائي والأيزيدي، والعراقي الذي يرتوي جميع اهله من الشهامة والمروءة والشرف، والتي تفتقدها داعش ومن معها .
فلا داعش تستطيع أن تفكك لغز وسر العراق، ولا من عميت بصيرته وباع دينه بدنياه، وباع اهله لأغراب عقولهم مصابة بالجذام فطرده اهله، ولم يجد الا من على شاكلته الذين جمعتهم الجريمة والانحراف فصاروا دواعش، وسيبقى العراق للعراقيين كلهم مهما اختلفت دياناتهم وقومياتهم ومذاهبهم، يتقاسمون اسمه على الشيوع، لا قسمة فيه ولا تقسيم، والعراق الذي يضم مختلف القوميات والأديان والمذاهب يشكلون تلاوين روحه الجميلة والتي يتباهى ويعتز بها، وجدير بهذا العراق ان ينتصر على كل التيارات الإرهابية والمجموعات الإجرامية التي تريد تشويه وجهه الجميل وتاريخه الأجمل، العراق الديمقراطي الفيدرالي الموحد