كشف تقرير امريكي صدر يوم الجمعة 23 تشرين الثاني 2018 بأن النشاط البشري هو المسبب الرئيسي للتغيرات المناخية وللاحتباس الحراري. وأشار "التقرير الخاص للعلوم المناخية" الذي أعدته 13 وزارة ووكالة اتحادية في الولايات المتحدة، إلى أن متوسط درجة حرارة الجو على سطح الأرض ارتفعت بنحو درجة مئوية واحدة بين عامي 1901 و2016، وهي الفترة الأكثر دفئا في التاريخ الحديث. وشارك في التقرير، والذي يصدر عن الحكومة الفدرالية كل عام، ثلاثة عشر وزارة ووكالة اتحادية في الولايات المتحدة بضمنهم ممثلون عن وزارات الدفاع والطاقة والتجارة والزراعة والنقل ووكالة الفضاء والطيران الأميركية (ناسا)، بالإضافة إلى وكالة حماية البيئة، وأكثر من 300 عالم وباحث في علوم البيئة.
وقال التقرير انه من المحتمل للغاية أن تكون الأنشطة البشرية، وخاصة انبعاثات الغازات الدفيئة، هي السبب الرئيسي للاحترار الملحوظ منذ منتصف القرن العشرين.
وحذر التقرير من استمرار ارتفاع درجات الحرارة، مؤكدا عدم وجود أي بديل مقنع يفسر ارتفاع درجة الحرارة خلال القرن الماضي سوى الأنشطة البشرية.
كما حذر معدو التقرير من احتمال ارتفاع مستويات سطح البحر إلى 2.4 متر بحلول العام 2100.
وهذا التقرير قدم نظرة للمناخ والتغيرات البيئية تتعارض مع وجهة نظر إدارة الرئيس دونالد ترامب حول ظاهرة الاحتباس الحراري، التي دفعت ترامب للانسحاب من اتفاق باريس التاريخي حول المناخ.
تقارير الأمم المتحدة والبنك الدولي
كذلك جاء في تقرير برنامج الأمم المتحدة للبيئة والذي نشر يوم 8 تشرين الثاني 2018، إن غازات الاحتباس الحراري تمضي صوب تجاوز المستوى المطلوب لإبقاء درجة حرارة الأرض في نطاق الهدف المتفق عليه عالميا، وذكر التقرير إن زيادة الحرارة 1.5 درجة مئوية ينطوي على أخطار مرتبطة بالمناخ بالنسبة للطبيعة والجنس البشري. وأضاف التقرير أن تحقيق عدم تجاوز الارتفاع 1.5 درجة مئوية يتطلب تغيرا "سريعا وبعيد المدى وغير مسبوق" في استخدام الأراضي والطاقة والصناعة والمباني والنقل والمدن.
وفي عام 2015، وقعت 195 دولة على "اتفاقية باريس للمناخ" التي تتعهد بالحد من زيادة درجة حرارة العالم بحيث تكون عند مستوى "أقل كثيرا" من درجتين مئويتين عن فترة ما قبل الثورة الصناعية، لكن حكومة ترامب انسحبت من الاتفاقية في حزيران من عام 2017.
ولا يؤمن الرئيس الأمريكي وحكومته بان التغييرات المناخية والاحتباس الحراري هي مسألة حقيقية، ويعتبرها بدعة او مزح، بالرغم من أن معظم الشعب الأمريكي ومعظم شعوب العالم وحكوماتها تؤمن بأن الأنشطة البشرية والاعتماد على حرق الوقود الأحفوري (الفحم والنفط) هو المصدر الاساسي للغازات الدفيئة (ثاني أوكسيد الكاربون والميثان وغازات اخرى) والمسببة الاساسية للتغيرات المناخية.
والاحتباس الحراري هو ارتفاع تدريجي في درجات الحرارة في الطّبقة السفلى من الغلاف الجوّي للأرض، وذلك نتيجة الارتفاع في انبعاث الغازات الدّفيئة (المعروفة أيضاً بغازات البيت الزجاجي) مثل: ثاني أكسيد الكربون، والميثان، والعديد من أنواعِ الغازات الأخرى.
وبدأ علماء المناخ في الفترة الاخيرة بجمع ودراسة مجموعة كبيرة من البيانات والمعلومات التي تدلّ على حدوث تغير في المناخ على مستوى كوكب الأرض، وتشمل هذه البيانات معدّلات هطول الأمطار، وتيارات المحيطات، وهبوب العواصف، وتُشير جميع هذه المعلومات إلى وقوع تغيرات أساسية في مناخ الأرض منذ عهد الثورة الصناعية، وبأنها كانت نتيجة مُباشرة للنشاطات البشريّة والتغيّر الذي يَصنعه الإنسان في بيئة الأرض.
وكان البنك الدولي قد حذر منذ سنوات من أن مئة مليون شخص إضافي يمكن أن ينحدروا تحت خط الفقر بحلول عام 2030، ما لم تتخذ إجراءات للحد من ارتفاع درجات الحرارة في الأرض جراء التغير المناخي. وقال في تقريره إن مشكلة التغير المناخي تقوض حاليا الكثير من الجهود لمكافحة الفقر في العالم، وإن الناس الأفقر يزدادون معاناة بسبب ذلك.
ان بعض الحول المطروحة لإيقاف التغييرات البيئية المدمرة هو استخدام الطّاقة المتجددة، مثل الطاقة الشمسية، والمائية، وطاقة الرياح، والطاقة النووية، فاستهلاك الطاقة هو من أهمّ مصادر حرق الوقود الأحفوري وانبعاث الغازات الدفيئة، وكذلك فإن الاهتمام بزراعة الأشجار والحفاظ على الغابات والمساحات الخضراء في العالم يقلل من زيادة ثاني أوكسيد الكاربون ويزيد من نسبة الاوكسجين في الجو.
العراق
اما فيما يخص العراق، فبالرغم من السيول المائية التي اجتاحت مناطق واسعة من الأراضي العراقية، فإن التغيرات البيئية تزيد المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية تعقيدا، بسبب آثار التغير المناخي واستنزاف الموارد المائية على الأراضي الزراعية مما تؤدي الى زيادة الهجرات البشرية وما يصاحبها من صعوبات.
وتشير التقارير الى أن 90% من الأراضي العراقية الخصبة تاريخيا أصبحت مهددة بدرجات متفاوتة بالتصحر الناتج عن الاحتباس الحراري وشحة الإيرادات المائية. مما أدى الى تقليص المساحات المزروعة ومنع زراعة بعض المحاصيل التي اعتاد السكان على زراعتها منذ فجر التاريخ، بسبب ندرة المياه. وهذا يزيد من المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والثقافية لشعوب سائدة ومستقرة في تلك الأماكن الزراعية.
إن مشكلة التصحر وجفاف البيئة وخسارة الاراضي الزراعية ستشكل كارثة اقتصادية واجتماعية وانسانية كبيرة في العراق، وستسبب في هجرات واسعة من الريف للمدن، وصراعات بين المحافظات والمناطق حول ملكية المياه والانهر، مع نقص كبير في مياه الشرب والسقي والزراعة.
ولم يمر العراق في تاريخه بمرحلة تهدد تصحره لوجود الرافدين الكبيرين وروافدهم وخزانات كبيرة للمياه، ولكن السياسات العشوائية للأنظمة المتعاقبة وعدم اهتمامها بالبيئة والاتفاقيات الدولية مع دول الجوار أفقد العراق الكثير من حقوقه وخاصة عندما اخذت هذه الدول ببناء السدود العملاقة على الانهار التي تصب في العراق مستغلة وضع العراق غير المستقر.
ومن اجل المحافظة على البيئة العراقية على الحكومة العراقية الجديدة إيلاء قضايا البيئة والتصحر والموارد المائية الاهتمام الكبير والجاد قبل فوات الأوان.
هذه بعض المقترحات الأولية، والتي كنت قد ذكرتها في مقالات سابقة، للحفاظ على البيئة العراقية:
- تثبيت الحق العراقي كمصب مائي. والاستعانة بالأمم المتحدة والمؤسسات الدولية القضائية لتثبيت حصصه المائية.
- القيام بحملة وطنية مبرمجة ومدعومة بخبرات دولية للتشجير وغرس ملايين الاشجار التي ممكن ان تنمو في البيئة العراقية، مع توفير الموارد للإدامة والحفاظ عليها.
- بناء مخازن وسدود على الانهار العراقية للحفاظ على المياه التي تصب في شط العرب وتحويلها الى المناطق الزراعية.
- إطلاق حملة وطنية واعلامية لتوعية الانسان العراقي ودعوته للاهتمام بالبيئة.
- تحديث وانشاء مراكز ومؤسسات للبحث العلمي البيئي.
- اقامة مشاريع لتحلية المياه والاستفادة من المياه الجوفية بشكل مبرمج لدعم المشاريع الزراعية.
- اقامة احزمة خضراء حول المدن العراقية والاهتمام بإدامتها.
- الاستمرار بدعم مشاريع اعادة الحياة الى الاهوار العراقية. والاستفادة من ادراجها كمناطق تراثية عالمية من قبل الأمم المتحدة.
- التخطيط لإعادة نخيل العراق الى الاعداد التي كانت عليها.
- تنظيف وتوسيع الانهار وروافدها من الاعشاب النهرية والبحرية ومن القمامة والنفايات والمخلفات الصناعية.
- ايجاد حلول اَنية ومستقبلية لمشكلة زيادة الملوحة في شط العرب والمسطحات والمخازن المائية الاخرى مثل منخفض الثرثار والاستفادة منها في المجالات الاقتصادية والزراعية وليس فقط للاستيعاب والتصريف.
هذه بعض المقترحات الأولية فقط وهناك العشرات غيرها.
فلتعمل معا من اجل أرض أكثر خضارا، ومياه أكثر عذوبة، وجو أكثر نقاوة، ولنترك عالما أفضل من الذي ولدنا به.
24 تشرين الثاني 2018