تمّ طرح مشروع قانون المحكمة الاتحادية العليا على مجلس النواب للتصويت عليه ، وتم التأجيل أكثر من مرة بسبب اختلاف الكتل السياسية على بعض الفقرات والبنود ،
ويدرك جميع أعضاء مجلس النواب والمختصين في الشأن الدستوري والقضائي أهمية أن تكون للعراقيين مرجعية قضائية محايدة ، وأن يتم استكمال القناعة بدور قضائي حرص المشرع على أن يكون مستقلا بكل معنى الكلمة ، وهذه الاستقلالية من دعائم مبدأ فصل السلطات التي أخذ بها الدستور العراقي . ووفقاً لما ورد أعلاه ندرج وجهة نظرنا في المشروع .
نصت المادة الأولى من المشروع بان المحكمة الاتحادية العليا هي الهيئة القضائية العليا في العراق ، حيث أن هذه المحكمة وفقا للمادة ( 89 ) من الدستور هي من أهم مكونات السلطة القضائية ، كما تختص هذه المحكمة وفقاً لنص المادة ( 93 ) من الدستور بالنظر في
أولا: الرقابة على دستورية القوانين والأنظمة النافذة
ثانيا: تفسير نصوص الدستور
ثالثا: الفصل في القضايا التي تنشأ عن تطبيق القوانين الاتحادية والقرارات والأنظمة والتعليمات والإجراءات الصادرة عن السلطة الاتحادية، ويكفل القانون حق كل من مجلس الوزراء وذوي الشأن من الأفراد وغيرهم حق الطعن المباشر لدى المحكمة
رابعاً: الفصل في المنازعات التي تحصل بين الحكومة الاتحادية وحكومات الأقاليم والمحافظات والبلديات والإدارات المحلية
خامساً: الفصل في المنازعات التي تحصل فيما بين حكومات الأقاليم أو المحافظات
سادساً: الفصل في الاتهامات الموجهة إلى رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء والوزراء وينظم ذلك بقانون
سابعاً: المصادقة على النتائج النهائية للانتخابات العامة لعضوية مجلس النواب
ثامنا:
أ- الفصل في تنازع الاختصاص بين القضاء الاتحادي والهيئات القضائية للأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم
ب- الفصل في تنازع الاختصاص فيما بين الهيئات القضائية للأقاليم أو المحافظات غير المنتظمة في إقليم ، ولمكانة المحكمة وأهمية قراراتها فقد تفردت بنص دستوري يجعل من جميع قراراتها مكتسبة للدرجة القطعية ( باتة ) ، وملزمة لكافة السلطات .
هذه المكانة وهذا الاختصاص يجعل من هذه المحكمة هيئة قضائية عليا تتفرد بالاختصاصات المنصوص عليها دستورياً، وباعتبار قراراتها باتة وملزمة ، وتفصل في نقاط وقضايا مهمة وحساسة بالإضافة الى تفسيرها لنصوص الدستور .
وحيث أن تكوين المحكمة واختصاصها يحتم ان تتشكل من القضاة فان أمر اختيار أعضاء احتياط غير متفرغين لها ينبغي أن يكون أيضاً من بين القضاة ، حيث أن هناك قضاة متميزين ومتمكنين من بين القضاة المستمرين بالخدمة أو ممن أكملوا الخدمة أو تفرغوا لأعمال أخرى يمكن أن يتم اختيارهم كأعضاء في هذه المحكمة أو كأعضاء احتياط ، وكان حري بأن يترك أمر الاختيار من بين القضاة العاملين أو المتقاعدين للحلول محل قضاة المحكمة كاحتياط في حال وجود ضرورة لذلك .
أن مسألة ترشيحات رئيس وأعضاء المحكمة الاتحادية مسألة ينبغي أن تكون متطابقة مع الدستور ، فلا وجود لهيمنة أي من السلطتين التشريعية والتنفيذية على اختيار قضاة المحكمة الاتحادية ، فالسلطة القضائية مستقلة ، وهذه الاستقلالية في القرار القضائي وفي شؤون القضاء والعدالة ، والقضاة أكثر دراية بمؤهلات القضاة وقدراتهم ونزاهتهم وعلميتهم .
كما أن ما ورد في المادة الثانية من المشروع باختيار عضوين من خبراء الفقه الإسلامي ، وعضوين من خبراء القانون ، واختيار عضو احتياط لكل منهم فأنه يخالف النص الدستوري ( الفقرة ثانياً من المادة 92 من الدستور ) والتي تنص على ان تكوين المحكمة الاتحادية من عدد من القضاة ، ومن خبراء في الفقه الإسلامي وفقهاء القانون ، والخبير غير العضو ، و الخبير يقدم خبرته الى المحكمة في أمور تدخل ضمن اختصاصه ، إلا أن رأيه لا يلزم المحكمة ولا يقيدها في كل الأحوال ، وبإمكان المحكمة أن تتخذ من تقريره سبباً للحكم ، وجعل عدد من الفقهاء في الشريعة أو الفقه أعضاء في المحكمة الاتحادية العليا أمر يخالف الدستور ، والفقهاء غير القضاة ، بمعنى غير متخصصين في مجال العمل القضائي والقانوني ، ويمكن اعتبار تخصصهم في مجالي الفقه الإسلامي والشريعة استشارياً للمحكمة ، باعتبارهم خبراء في مجال اختصاصهم .
وكل نص قانوني مهما كان تبريره أو سببه يخالف النص الدستوري باطل لا قيمة قانونية له مطلقاً .
ووفقاً لنص المادة الثالثة من المشروع تعرض الترشيحات المنصوص عليها في (أولاً) و (ثانياً) من هذه المادة على هيئة مكونة من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء ورئيس مجلس النواب ورئيس السلطة القضائية الاتحادية في اجتماع مشترك لاختيار رئيس المحكمة الاتحادية العليا ونائبه وقضاتها وخبراء الفقه الإسلامي وفقهاء القانون من بين المرشحين وفقا للعدد المحدد في هذا القانون ويتولى رئيس الجمهورية إصدار المرسوم الجمهوري بتعيينهم ، في حين أن طريقة تعيين القضاة وفق ما قيدها قانون التنظيم القضائي لا تستوجب هذا العدد من رؤساء السلطات وخصوصاً وأنهم يمثلون كتل سياسية مختلفة قد يؤدي إلى صعوبة التوافق والاتفاق ، ويتطلب الأمر أن يتم عرضه على مجلس النواب للتصويت عليه بعد مناقشته ، ومن ثم إحالته على رئيس الجمهورية لإصدار المرسوم الجمهوري اللازم بذلك .
إن مهمة المحكمة الاتحادية في تفسير نصوص الدستور والرقابة على دستورية القوانين والأنظمة والفصل في القضايا التي تنشأ عن تطبيق القوانين الاتحادية ، والفصل في المنازعات بين الحكومة والأقاليم أو بين الأقاليم والمحافظات ، وكذلك الفصل في الاتهامات الموجهة لرئيس الجمهورية والى رئيس الوزراء وجميع الوزراء ، والمصادقة على نتائج الانتخابات ، تجعل من هذه المحكمة مرجعاً دستورياً محايداً ، ويفترض بها التمسك بالاستقلالية والحياد ، كما يفترض بالقضاة العاملين فيها معرفتهم الدقيقة بالتاريخ العراقي وبالحركة الوطنية السياسية ، وبالمعاني والمصطلحات القانونية والدستورية ، ولذلك فأن الشروط الواجب توفرها في قضاة المحكمة حددها نص الفقرة خامساً من المادة ( 5 ) من المشروع ، غير أن مجرد توفر مدة (20 سنة) خدمة قضائية لا يكفي مالم تقترن المدة بأن يكون من بين قضاة الصنف الأول ، بالنظر الى أن حصول القاضي على الصنف يتطلب منه مضي المدة المقررة قانوناً وتقديم بحث في مجال العمل القضائي وموافقة جميع الجهات القضائية المختصة في الترقية ، بالإضافة الى مسألة غاية في الأهمية ، وهي توفر الخبرة الثقافية والمعرفة الدستورية بالإضافة الى الخبرة القضائية وحقوق الإنسان وقضية الحقوق والحريات بشكل عام ، حتى يمكن ان يتميز عن اقرانه لتبوِئ منصب عضوية المحكمة الاتحادية العليا ، وهي مهمة كبيرة يتوجب ترسيخ أسسها وبنائها بالشكل الدستوري والقانوني وبما يحقق قاعدة للمستقبل العراقي في بناء دولة القانون ، ويخلق لنا مرجعية قضائية دستورية وقانونية رصينة ومحايدة .
ونؤكد على مجلس النواب من أن يسجل لهم التاريخ العراقي التزامهم الصارم باستقلالية السلطة القضائية ، وأن يساهموا بتأسيس مرجعية قضائية محايدة ، وأن ينظروا الى المستقبل بعيداً عن المناكفات والمصالح السياسية ، وبعيداً عن المحاصصة والأصطفافات الحزبية ، ومن يريد أن يدعم بنيان دولة القانون ، عليه أن يساهم في ترصين بناء دولة اتحادية عراقية ديمقراطية تتسع للجميع