بمناسبة الذكرى ال98 لميلاد الفنانة العراقية المعروفة عفيفة اسكندر، وبمناسبة احتفاء محرك البحث على الانترنت المعروف بـ(جوجل) بالذكرى، اعيد نشر مقالتي عنها التي كنت قد كتبتها في الذكرى الاربعينية لوفاتها، استذكرتُ فيها ايام كانت جارتنا في منطقة عرصات الهندية في الكرادة.
أنا وعفيفة اسكندر
السبت 08-12-2012
نبيل رومايا
مرت هذا الاسبوع الذكرى الاربعينية لوفاة الفنانة العراقية الاصيلة عفيفة اسكندر، وكان الكثير من الكتاب قد كتبوا عنها وعن حياتها الحافلة التي تجاوزت التسعين عاما، والتي عاصرت فيها حقب تاريخية وسياسية مر بها شعبنا العراقي طيلة تلك الفترة.
وجرت الاشارة الى صالونها الفني والادبي والذي كان يحضره ابرز رجالات السياسة والادب والفن والثقافة في البلاد، والذي كان يقام في منزلها الفخم في عرصات الهندية في منطقة الكرادة "خارج او عا البره" حسب ما كانت تسمى في حينها.
ومنزلها هو الذي دفعني للكتابة عنها لاستذكار فترة قصيرة من طفولتي ربطتني بالفنانة عفيفة اسكندر. فقد كانت عائلة والدي "بيت رومايا" من الاوائل الذين سكنوا منطقة عرصات الهندية والتي كانت عبارة عن مزارع للخس في وقتها، وفي خلال سنوات قليلة توسع العمران في تلك المنطقة وبنيت البيوت الفخمة في كل اراضي المنطقة والتي لم تتجاوز عن 450 قطعة ارض.
كان بيتنا في نهاية شارع سمي لاحقا بشارع "مدرسة ابن حيان" لوجود مدرسة بهذا الاسم في بدايته. والى جانب بيتنا بني بيت واسع وضخم على قطعة ارض "كورنر". وهذا البيت اقتنته وسكنت فيه الفنانة عفيفة اسكندر، وهكذا اصبحت الفنانة عفيفة اسكندر جارتنا.
وفي بداية الستينات من القرن الماضي كنا مجموعة من الاطفال والصبيان من المنطقة نلعب الكرة "الطوبة" في حديقة دارنا، وكثيرا ما كانت الكرة تقع في حديقة جارتنا عفيفة اسكندر، والتي كانت حديقة جميلة مليئة بأنواع الورود الملونة، على عكس حديقة بيتنا التي كانت مليئة بأشجار الفواكه بكل انواعها. وكنت انا طبعا الذي يعبر السياج الواطئ بين بيتنا وبيتها لاسترجاع الكرة، وفي كثير من الاحيان تكون هي في حديقتها ونتجاذب بعض الكلمات حول الاهل والمدرسة.
وكانت الفنانة عفيفة اسكندر تحب الاطفال بشكل كبير ربما لأنها لم ترزق بأطفال من زوجها، وكانت كريمة وعطوفة مع الاطفال في المنطقة وهذا انعكس على عدم مشاكستها واحترام بيتها من قبل اولاد الحارة.
في احد الايام جاء سائق جارتنا الفنانة عفيفة الى بيتنا ومعه بطاقة دعوة رسمية لحضور حفل صغير للأطفال فقط في بيتها. وفي عصر يوم الحفل البسني اهلي اجمل ملابسي "قاط صغير" وذهبت الى بيت جارتنا عمة عفيفة. وفي احدى قاعات البيت "ربما كانت قاعة صالونها الفني" اختلطتُ مع مجموعة صغيرة من الصبية والبنات، توسطتهم الفنانة عفيفة، وقضينا ساعات مع الفنانة عفيفة اسكندر بين اللعب والحديث واكل الحلوى والمرطبات . وكان شغفها وحبها لنا يتجلى من خلال كرمها واهتمامها بنا، وكانت تجلس مع كل منا وتتحدث معه وكأننا جزء من عائلتها.
واستمرت هذه الجيرة والدعوات والعلاقات لفترة من الزمن الى أن اخذت الحياة كل الى طريق مختلف.
وقد كانت فترة العهد الملكي هي فترة النشاط الاكثر للفنانة عفيفة، واستمرت بشكل اقل بعد ثورة 14 تموز ولكن انحسار عطائها بدأ بعد انقلاب شباط 63، ويقال ان حكومة البعث في النهاية صادرت بيتها.
وعاشت عفيفة اسكندر بعدها الى اخر ايامها في شقة في منطقة الكرادة (داخل او عا الجوه)
رحلت عنا الفنانة القديرة عفيفة اسكندر والتي عاشت في ايام الزمن الجميل، ايام الفن والابداع، ايام كان الفنانون والشعراء والمبدعون جزء اساسي من تقدم وتطور المجتمع، ايام كنا ننام على "السطح" ونحمل اجهزة الترانزستر "الراديو" معنا لنستمع الى الاغاني الجميلة ونحلم بغد افضل.
الذكر الطيب الدائم للفنانة عفيفة اسكندر والذي كان حبها للعراق وعطائها له منبعا لم ينضب.