15 تموز وهو اليوم التالي للذكرى السنوية لثورة 14 تموز فاجأ السيد مقتدى الصدر الشعب العراقي بانسحابه من الانتخابات المقبلة وتبرؤه ممن يحسبون عليه في هذه الحكومة والحكومة المقبلة فكان وقع المفاجأة على الأوساط الشعبية قريب الشبه بثورة 14 تموز لكنها ثورة على الذات الأمر الذي جعل من نسبة كبيرة من تلك الأوساط غير مصدقة لما سمعت وهو أمر يعود لسببين:
الأول: تكرر قرارات الكر والفر للسيد مقتدى الصدر وكثرة القرارات والتراجع عنها التي بات الشارع العراقي يعرفها ويتعايش معها بنمطية وقلة اهتمام...
الثاني: ان السيد مقتدى في الأسابيع والأشهر الأخيرة أعاد الى الاستخدام مفردة "القحْ" وهي مفردة تتطابق مع مفردة "القًرصْ" عند الشيوعيين وكلاهما تعني: الصميمي والمبدئي والعنيد فذهب ظن البعض من أن السيد يريد اختبار من هم القحْ من أتباعه فيطيعونه في هذا كطاعتهم له في الأمور الأخرى وكشف من هم بياعين الكلام الذين يفتدونه عندما تتطابق قراراته مع طموحاتهم حتى ذهب الغلو عند بعضهم لأن يطلق عليه لقب "الله الزغير" وإن حبهم له "فطري" وطاعتهم له "من الله" لكنهم ينفضون عنه عندما تمس قراراته دنيويتهم...
ما هي أوجه النفع التي يجنيها أتباع السيد مقتدى الصدر من الالتفاف عليه ...؟
أولا: جانب عقائدي أخروي وجانب دنيوي، أما عن الجانب العقائدي الأخروي فأمر معروف ومفهوم لا ينكره أحد ولا يعترض عليه أحد ولكن الاعتراض كل الاعتراض على الجانب الدنيوي النفعي.
ثانياً: الجانب الدنيوي النفعي وهذا يكون في 3 مستويات:
الأول: السلطة والثروة وهو ما يختص به الفاسدون من شاغلي المناصب الحكومية والبرلمانية من المحسوبين على التيار الصدري وأمرهم واضح ومشخص ليس من قبل الشعب العراقي فحسب بل من قبل السيد مقتدى الصدر نفسه...
الثاني: الفساد وجني السحت من المال العام بفرض الكومشنات والاتاوات والاستيلاء على العقود والمناقصات بشكل مباشر أو غير مباشر وهذا يمارس من قبل فاسدين محسوبين على التيار الصدري وهو أمر معروف ايضاً من قبل الشعب العراقي ومن السيد مقتدى الصدر نفسه...
الثالث: نسبة كبيرة من اتباع السيد مقتدى الصدر لا هم شاغلين لمناصب ووظائف حكومية ولا هم من اصحاب العقود والمناقصات لكن هؤلاء يجنون منفعة معنوية من فرض سطوتهم على المجتمع الناجمة عن الكثرة والبأس... تماما مثل ذلك الشعور الذي يشعر به المنتمي للمكون الشيعي في العراق باعتباره من المكون الأكثر عديداً وبأساً من المكونات الأخرى فرغم الفاقة والحرمان والبطالة والبؤس والحرق أحياء وكل العذاب الذي يواجهه في حياته المعيشية فهو يقنع نفسه بتلك السطوة الخادعة والبائسة على ابناء جلدته من أبناء المكونات الأقل عدداً في ظل غياب الحكم القائم على المواطنة وتسيد نظام حكم المحاصصة والمكوناتية...
ما هي انعكاسات قرار السيد مقتدى الصدر الانسحاب من الانتخابات...؟
1. يفترض أن يتبع ذلك انسحاب كل أتباعه من الترشيح للانتخابات القادمة ومن يخالف ذلك يسقط عنه وصف وتكليف "القحْ" التي أطلقها السيد مقتدى الصدر وفي هذه الحالة فإن التعبير عن الطاعة والولاء من قبل اتباع التيار الصدري يتجلى ويكون بحذف المرشح منهم بالأحذية والجزم لسعيه للدنيوي الذي رفضه قائده اليوم بكل إباء وشمم...
2. السيد عمار الحكيم يحاول جاهداً بلوغ مكانة السيد مقتدى الصدر ويحاول تقليد أفعاله حتى بطلب الشهادة "كما حصل في الأسابيع القليلة الماضية" وهو أيضاً يتكئ على أرث عائلي عريق كما السيد مقتدى وفي هذه الحالة يتوجب عليه الاقتداء به والانسحاب من الانتخابات أيضاً بشخوص اتباعه ايضاً وإلا عد في مكانة أدنى وبوضع لا يحسد عليه وتتم مخاطبته من اليوم صعوداً من قبل العامه بطريقة "العين ما تعلا على الحاجب"...
3. السيد نوري المالكي الذي استعرض مرشحيه للانتخابات قبل أيام في مؤتمر رسمي وحفل اعلامي ضخم ليخوض بهم البحر ويحقق ما لم يحققه الأولون ضارباً عرض الحائط المبدأ الذي صممت عليه الانتخابات القادمة والمتمثل بالترشيح الفردي وما يتبع ذلك من ترويج فردي ودعاية فردية... قائمة المالكي اشبه ببريطانيا العجوز التي غربت عنها الشمس... وحظه وقائمته في الانتخابات لا يشكل خطورة تذكر ...
4. السيد هادي العامري والخزعلي ستكون حصتهما تشكيلات الحشد والفضل كل الفضل في ذلك يعود للعبادي الذي تصاغر أمامهم ولم يدمج أبناء الحشد بتشكيلات القوات المسلحة من جيش وشرطة تنفيذاً لتوجيهات المرجعية الدينية العليا للسيد السيستاني...
5. هذا في محافظات الوسط والجنوب أما في الغربية فنجم زعيم الفساد ابو مازن يزداد سطوعاً يوم بعد آخر وقد بنى مستقبله السياسي بجداره "قبل ايام شاهدت له فيديو وكان يزور أحد أبناء عشائر الحويجة يعاني من اصابة في عموده الفقري وعندما قالوا له: علاجه يكلف 4 دفاتر "يعني 40 ألف دولار" قلب شفته لمرافقه وقال له : أنطوهم 5 دفاتر ... في حين ان زملاءه من ساسة الشيعة عندما يعودون مصاباً بالشافعات يدسون بجيبه ورقه ام الـ 25 ألف دينار...!
كلهم فاسدون ولكن فاسد الغربية يخرج والفاسد الشيعي قبيص وعكّه...
أما الحلبوسي فيبدو أن الحظ قد ضحك له أخيراً وفاز بما هو دنيوي وأخروي لكن صيحات شباب الأعظمية المنددة به قبل أيام قد يكتسح كل الأخروي الذي بناه ...
6. لا تنحصر انعكاسات قرار السيد مقتدى الصدر من الانتخابات على ما ورد آنفاً ولكنه إن صدق في وعده وكان قراره نهائي وقطعي و"قحْ" سيعري كل اللاهثين على انتخابات مبكرة لا تحمل أملاً بالتغيير ولا تغني ولا تسمن وسترغمهم على تأجليها الى أجل غير مسمى لحين تهيئة الأرضية لانتخابات حقيقية تراعى فيها الشروط الدستورية وفي المقدمة منها منع الأطراف التي تملك أذرع مسلحة من المشاركة فيها والتقيد بالشروط القانونية وفي مقدمتها تطبيق قانون الأحزاب وشفافية المال السياسي والتقيد بالشروط القانونية للمرشح بأن لا يكون محكوماً ولو شمله قانون العفو وألا يكون متهتكاً سارقاً فاسداً يتبجح بفساده...
* رئيس هيئة النزاهة في العراق (سابقاً).