المساواة التي نص عليها الدستور العراقي حلت ضمن احكام الحقوق ٬ وتعني النظرة المتساوية للمواطنين العراقيين دون تمييز وبصرف النظر عن قومياتهم واديانهم ومذاهبهم او اجناسهم او الوانهم او معتقداتهم ٬ وبالتالي فان هذا الحق يسود على جميع المكونات العراقية ولايعطي افضلية او ميزة لمكون قومي او ديني او مذهبي على المكونات الأخرى ٬ وحق المساواة المنصوص عليه دستوريا يوجب ان ترتكز عليه جميع القوانين التي تصدر تنسجم مع هذا المبدأ وبخلافه فان فقدان المساواة في التعامل القانوني او السياسي تجعل عملية الخرق الدستوري وعدم احترام الشرعية القانونية موجبا لاعتبار النصوص والتصرفات والافعال باطلة كليا ٬ ولهذا نص الدستور العراقي في الفقرة سادسا من المادة ( ١٩ ) على حق الفرد في ان يتم التعامل معه معاملة عادلة في جميع الإجراءات القضائية والإدارية .
ولعل الترشيح لعضوية مجلس النواب التي فصلها قانون انتخابات المجلس رقم ٩ لسنة ٢٠٢٠ ما يشير الى الانسجام والتقيد بمبدأ المساواة للمرشح العراقي ٬ حيث جعل الشروط التي نصت عليها المادة (٨ ) منه على ما يلي :
أولا : ان يكون عراقياً كامل الأهلية أتم (٢٨ ) ثمانية وعشرين سنــة من عمره في يوم الاقتراع
ثانياً: ان لا يكون مشمولاً بقانون هيئة المساءلة والعدالة او اي قانون اخر يحل محله.
ثالثاً: أن يكون غير محكومٍ بجناية او جنحة مخلة بالشرف أو اثرى بشكل غير مشروع على حساب المال العام بحكم قضائي بات وإن شُمِلَ بالعفو عنها.
رابعاً: أن يكون حاصلاً على شهادة الإعدادية على الأقل أو ما يعادلها
خامساً: ان يكون من ابناء المحافظة او مقيماً فيها
سادسًا: تقديم قائمة بأسماء ما لا يقل عن (٥٠٠ ) خمسمائة ناخب غير مكرر داعم
لترشيحه من الناخبين المسجلين في الدائرة الانتخابية التي يتقدم للترشح فيها بقائمة منفردة على وفق تعليمات يصدرها مجلس المفوضين باستثناء مرشحي) كوتا) المكونات المشار اليها في المادة ( ١٣ ) .
ومن بين أعضاء مجلس النواب يتم انتخاب رئيسا ونائبين في اول جلسة من جلسات المجلس ٬ ولم يحدد الدستور او النظام الداخلي لمجلس النواب شروطا توجب اختيار رئيس المجلس او آي من نوابه من قومية معينة او من ديانة معينة او من مذهب محدد ٬ ولعل الاتفاق بين الكتل والأحزاب السياسية في العراق التي تلزم نفسها بان يكون كل من الرئيس او أي من نوابه من مذاهب او قوميات معينة تخل بمبدأ المساواة بين العراقيين في اختيار رئاسة مجلس النواب وعدم ترك الامر حرا لاختيار من يجد في نفسه القابلية والكفاءة ليكون رئيسا لمجلس النواب بدلا عن تقييد هذا المركز الحساس لعملية تبادل المصالح والمنافع التي كانت جارية ولم تزل .
ونلاحظ نفس الشروط تنطبق على المرشح لرئاسة الجمهورية حيث لا يشترط النص ان يكون من بين النواب ولامن قومية معينة فالرئيس هو رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن ولايمكن اخضاع مركزه الوظيفي للمحاصصة او المساومات السياسية .
اما في مسالة تكليف رئيس الوزراء فتنطبق نفس الشروط السابقة سوى انه يكون مرشحا من قبل الكتلة النيابية الأكثر عددا حيث يتم تكليفه من قبل رئيس الجمهورية بتشكيل مجلس للوزراء .
الحال العراقي لا يفيد التقاسم القومي او الطائفي للمناصب الرئاسية ٬ كما لا يساهم في استقرار البلاد وتوفير سبل الارتقاء والتقدم ٬ لم يعرف التاريخ العراقي توزيع المناصب الرئاسية على أسس قومية او مذهبية ٬ فالمحاصصة اثبتت تاريخيا انها تضعف الدولة ولن تتمكن من القضاء على الفساد وتغول القوى التي تخرج على القانون وتستخف بالدولة ٬ والمحاصصة أدت على مدى الفترة السابقة بعد التغيير الى عدم تمكن السلطة من توفير ابسط الخدمات وتحسين الوضع الاقتصادي للبلاد بالرغم من الإيرادات والأموال التي تجنيها من بيع النفط وارتفاع أسعاره او من المنافذ الأخرى .
ان الارتفاع الى مستوى الحرص على مستقبل العراق وحماية مستقبل الأجيال توجب على الكتل والأحزاب السياسية في العراق دون استثناء التمعن في واقع الحال العراقي وان يضعوا جميعا حق المواطن العراقي بالمساواة وضمان الحقوق والحريات التي ينص عليها الدستور ٬ والتعاون من اجل اصلاح وترميم الواقع الاقتصادي ودعم الدولة العراقية التي تستند على القانون ٬ والترفع عن اعتماد الانتماء الحزبي شرطا للمنصب والوظيفة العامة ٬ نحن بحاجة ماسة لنظرة واقعية بتجرد لإنقاذ العراق من واقع مريض تشعر به جميع الطبقات الاجتماعية وبانتظار بارقة امل وصحوة عراقية لإعادة قاطرة العراق الى سكتها الصحيحة .
جريدة الصباح