الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
لمناسبة 2023..أمنيات العراقيين..هي هي من أربعين سنة!

من عام 1995،اعتدت استطلاع العراقيين عن امنياتهم بداية كل عام جديد،لغرضين: الأول،توثيقها لمن سيكتب عن تاريخ العراق الاجتماعي والسياسي،والثاني،دراسة الحالة السيكولوجية للعراقيين. والغريب فيها انك لو جمعتها واطلّع الناس عليها والعالم لما صدّقوا ان امنيات العراقيين في سنواتهم الأربعين الأخيرة كانت بسيطة للغاية. اليكم بعض امنياتهم في العام 1995 ثم نتقدم.

ــ آكل وجبة لحم ولو مرّة بالاسبوع برغيف خبز أبيض مونخاله(لأن الحصار فرض عليهم بعد غزو الكويت 1991 لـ 13 سنة)،فيما كان الطاغية الذي هو سبب الحصار، يأكل لحم الغزلان المطعّم برائحة الهيل،و الشعب يأكل خبز النخالة المعجون برائحة الصراصير..في مفارقة،ان حكّام أحزاب الاسلام السياسي (المعارضة!..الذين جاءوا ومعظمهم لا يملك ثمن تذكرة الطائرة) يأكلون ما لذّ وطاب من الأكل والشراب،واوصلوا سبعة ملايين عراقي عام 2014 تحت خط الفقر،ارتفع الى 13 مليون عام 2018 باعتراف وزارة التخطيط.

وفي 2012 تمنى الرئيس العراقي الراحل جلال الطالباني ان يكون العام الجديد “عاما لترسيخ مبادئ الوحدة الوطنية والتعايش المشترك على قيم العدل والمساواة ولترسيخ الأمن والإستقرار وتنظيف البيئة الوطنية من عوامل الشر والإرهاب والجريمة والفساد”..وحصل عكس ما تمناه. فباستثناء التخلص من الأرهاب عسكريا،فان العراقيين ظلوا يتمنون تحقيق الأمن،الذي يعد ثاني اهم حاجة في هرم حاجات الانسان بعد حاجته للبقاء.

وفي آخر شهر من(2015) استطلعنا القرّاء بهذا السؤال:

بماذا تصف عام 2015 بايجابياته وسلبياته؟..فوصفوه بأنه:(عام الحروب والفقر والألم،والتوتر والصراعات،وقلّة الخيرات وتقشف الحكومات،وعام الحزن على هجرة الشباب العراقي..وعام مأساة النازحين.ومنهم من سخر قائلا:(الله يخليك دكتور..ليش هي اكو ايجابيات)..فيما كانت توقعات المتفائلين لعام 2016 بأنه سيشهد:(تغييرا على الصعيد السياسي افضل بفعل زيادة الوعي الشعبي لصالح القوى المدنية،وسيكون الاحتجاج اكبر،وستنهار المحاصصة،والعام الذي سيؤدي فيه السخط الشعبي الى ان يتوحد العراقيون،والعام الذي سيشهد هزيمة القوى الطائفية)،فيما توقع المتشائمون بان العام الجديد(2016) سيكون:(أسوأ من سابقه..وسيكون عام قحط،وحالة من اليأس على الصعيد الاجتماعي،وزيادة معاناة الناس وحالات القتل والتهجير،والعام الذي سيشهد الصراع بين الكتل بسبب انخفاض تردي الوضع الاقتصادي).فيما كان لسان حال اليائسين من اصلاح الحال تجسّده هذه (الحسجة السوداء):

(سنة جديده

والعراقي على كلبه حاط ايده

كضه عمره..وين ما يلتفت سطره

يمنه..سطره

يسره..سطره

ينطي وجهه للسما..أهل السما يجيبوه بدفره

ينطي وجهه للأرض..بعد خطوه يشوف كبره.

هيّ شنهي المسألة؟

كلها مثله الناس..لو وحده ابتله؟!

بكل سنه جديده..العراقي على كلبه..حاط ايده).

امنياتهم في 2018

بالشهر الأخير من 2017 استطلعنا بالآتي:

حدد أمنية شخصية واحدة،وامنية وطنية واحدة تريد ان تتحققا في العام الجديد 2018.

وقد تم تصنيف أمنياتهم كالآتي:

أمنيات شخصية:توزعت بين:أسرية تمثلت بـ”لم الشمل”،ما يعني ان الكثير من العوائل العراقية تفرقت في بلدان الشتات، و”الأطمئنان على الاولاد والأحفاد”،ما يعني خوف الوالدين على حياة ومستقبل واولادهم. وسكنية تمثلت ببناء بيت او التخلص من الايجار،ما يعني ان العراقيين يعانون من ازمة سكن.وفردية تمثلت بالعودة الى حياة الريف والتخلص من صخب المدينة،والتحرر من الهموم النفسية وعدم التفكير بالرحيل عن العراق،والحصول على مقعد في الدراسات العليا،وعرض مسرحية (وانا اشاركه أمنيته بان يتم اخراج مسرحيتي “ قيامة العراقيين” التي عمل الفنان عبد المطلب السنيد على اخراجها ولم تساعده وزارة الثقافة لأنها تفضح الفاسدين باسلوب تراجيكوميدي.

وتنوعت امنياته السياسية بين:

- أن تنخسف الارض بالسياسيين اينما حلو مثل انخساف الارض بقارون.

- خفض رواتب وامتيازات السياسيين في البرلمان والحكومة.

-ان تكون انتخاباتنا وطنية تشهد صعود قوى مدنية نزيهة لتشكل رقما يؤهلها لتشكيل حكومة تكنوقراط وطنية لا حكومة محاصصات وسرّاق.

-ان يرتفع وعي المواطن لينتخب الكفوء والنزيه.

-حل مشكلة الخريجين،واعادة الاعتبار للتعليم العالي في العراق،ما يعني تدهوره بسبب المحاصصة السياسية.وحصل في 2022 تعيين وزيرا للتعليم العالي مشكوك في شهادته وليست لديه خبرة جامعية،وجيء به ممثلا عن كتلة عصائب اهل الحق وليس ممثلا عن اساتذة جامعات العراق).

وكانت هنالك امنيات ساخرة..مثل:

· « ماتت في ادمغتنا خلايا التمني!».

· «في بلدنا الحبيب كل ما تتمناه يتحقق لكن عكس المطلوب..تتمنى طماطه يجي خيار».

· «أن لا ارى ملتحيا في القنوات الفضائية»،

· وآخرها ساخرة موجعة: “عزيزي الدكتور هي امنية واحدة لا اكثر، ان يكون لي وطن!»

أمنيات العراقيين في 2023

شارك باستطلاع (24 /12 /2022) اكاديميون وشعراء ومثقفون وفنانون واعلاميون..تحددت أمنياتهم في العام الجديد (23) بالآتي:

· ردم مستنقع المحاصصة هي امنيتي الشخصية والوطنية.

· اتمنى ان تاتي حكومة وطنية تطيح بالمحاصصة والطائفية والتبعية،وتحقق التطور والحرية للشعب العراقي المظلوم.

· ازاحة الطبقة السياسية،و ان نكون دولة مؤسسات مدنية لا دولة فساد

· لا توجد امنيات لانه لا يوجد شيء اسمه المستقبل

· نتمنى على الحكومة الجديدة الاصغاء لصوت الشعب وتنفيذ برنامجها وانصاف الفقراء وتهيئة فرص العمل وكل ما يحقق للعراق عزته وكرامته

· أمنيتي الوحيدة فيما تبقى من العمر ان ينعم بلدي العزيز العراق الابي بالامن والامان وان يلتحق بركب التطور والازدهار الذي تشهده بلدان العالم وان يعيش شعبنا الصابر بخير ورفاهية،ويكون لنا جواز سفر قوي.

· سنين ونحن نتمنى وكل امنياتنا تتكرر نفسها في كل سنة ولا تتحقق والعمر يسير بسرعة.

· أي امنيات استاذ، هؤلاء البغاة قتلوا جميع امنياتنا وحطموا مستقبلنا ومستقبل اجيالنا.

· في كل سنة تتحقق امنيات الفاسدين السياسيين،اما امنيات الفقراء فلا يتحقق سوى الفقر والالام.

(وامسك قلبي بكفي، الملم عن دكة الباب كل الاماني القتيلة)!

· اتمنى اصحى الصبح مالاقيش حد من دول خالص!

العراقيون..استثنائيون

ما يعجبك في العراقيين انهم برغم المحن التي حرمتهم من ابسط المتطلبات وليس الأمنيات،فانهم محبون للفرح والسلام.ففي الاسابيع الأخيرة من عام 2015 تزامنت صلاة قدّاس المسيحيين وصلاة جمعة المسلمين في آخر جمعة منه،وعاشت مدن العراق ليلة عامرة بالأفراح نذكر منها أن مدينة النجف الأشرف احتفت بحضور بابا نوئيل وزينت شوارعها باشجار ملونة..وقال أهلها النجفيون اننا نريد ان نردّ الجميل لأخوتنا المسيحيين الذين شاركونا أحزاننا في اربعينية الأمام الحسين بأن نشاطرهم أفراحهم بمولد السيد المسيح وعيد رأس السنة..وهكذا فعلوا وهم يستقبلون عامهم الجديد 2018.

والعراقيون ينفردون..في ثلاث مفارقات:

الأولى: انهم فرحوا يوم اطيح بالطاغية وتخلصوا من نظام دكتاتوري شن حروبا كارثية حمقاء ودفن الألاف بمقابر جماعية،وصاروا يترحمون عليه يوم صار نظامهم ديمقراطي وحكامهم قادة احزاب اسلام سياسي!

والثانية: مع ان النظام الحالي يعدّ الأفسد والأكثر تخلفا في تاريخ العراق السياسي،فان العراقيين الذين وصفوا بأنهم ما انبطحوا لظالم،واثبتوا ذلك في وثبة تشرين/اكتوبر 2019،فأنهم ما عادوا قادرين الآن على الأطاحة، افقروهم وأذلوهم،وأن الديمقراطية (العراقية) كانت هي السبب!

والثالثة: ان الأمنية هي مطلب او رغبة استثنائية كأن تتمنى ان تزور الصين واليابان مثلا،فيما امنيات العراقيين هي عند معظم الشعوب..عادية وبسيطة،وانها من غير المعقول ان لا تكون متوافرة في بلد يعدّ الأغنى في المنطقة وأحد أغنى عشرة بلدان في العالم.

لقد كتبنا في (2017) بالنص:ومع ان خواتيم العام الذي يودعه العراقيون الآن..شهدت احداثا ايجابية اهمها القضاء عسكريا على “دولة الخلافة الاسلامية في العراق والشام”،فان نسبة المتشائمين ستبقى هي الاعلى لكثرة ما تعرضوا له من توالي خيبات.

والخشية،ان يأتي يوم نكتب فيه مقالة عنوانها:(امنيات العراقيين..هي نفسها بعد نصف قرن!!)..وستبقى ما دام الذين يحكمون العراق تتحكم بهم سيكولوجيا السلطة والثروة،

وما دام ملايين العراقيين من المقهورين والمستلبين تحكمت بهم سيكولوجيا التكيف على توالي الخيبات!.

  كتب بتأريخ :  الخميس 29-12-2022     عدد القراء :  1680       عدد التعليقات : 0