قبل بضعة أعوام، كنت في زيارة لمتحف التاريخ الطبيعي في مدينة شيكاغو الامريكية. وفي المتحف، وقفت أمام حاسوب رقمي جداري ضخم ارقامه تدور بسرعة لتصل الملايين، وتحته كُتب ببساطة "أعداد الأصناف الحياتية المنقرضة". وفي الدقائق القليلة التي قضيتها بالتأمل امام تلك الجدارية الرقمية المخيفة اختفى للأبد من كوكبنا مئات الأصناف الحياتية.
إن أصناف الحياة على الأرض وتنوعها البايولوجي، بجميع أشكالها، من الجينات والبكتيريا إلى النظم البيئية بأكملها مثل الغابات أو الشعاب المرجانية والمسطحات المائية هو نتيجة 4.5 مليار سنة من التطور الطبيعي ويشكل شبكة الحياة التي يعتمد الانسان عليها.
وبناءً على تقارير الأمم المتحدة البيئية، فإن الطبيعة اليوم في أزمة بسبب الممارسات البشرية. إذ أن ما يصل إلى مليون نوع مهدد بالانقراض والعديد منها ستختفي في غضون عقود. ويجري ازالة النظم البيئية التي لا يمكن الاستغناء عنها مثل الغابات والأراضي الرطبة والمستنقعات والاهوار والتي تمتص كميات كبيرة من الكربون، وتتحول الى أراضي صحراوية مثل ما جرى لأهوار العراق.
ووفق تقارير الباحثين البيئيين فإن أزمة التنوع البيولوجي أسوأ من التهديد الناجم عن تغير المناخ. فهناك أكثر من 37،000 نوع مهددة بشكل مباشر بالانقراض. وهذا يمثل حوالي 28% من جميع الأنواع التي تمت متابعتها.
ومن أكثر الأنواع المهددة بالانقراض: البرمائيات بنسبة 41%، والصنوبريات (نوع من النباتات البرية) بنسبة 34%، والشعاب المرجانية بنسبة 33%، وأسماك القرش والراي بنسبة 36%، والثدييات بنسبة 26%، والطيور بنسبة 14%، وستسير الأمور بشكل أسوء في المستقبل.
وفي غضون 15 إلى 40 عامًا القادمة، من المحتمل أن تنقرض الحيوانات التالية: الدب القطبي، والشمبانزي، والفيل، ونمر الثلج، والنمر، والغوريلا الجبلية، والباندا العملاقة، ووحيد القرن، ودب الكوالا، وهذه ليست سوى أمثلة بسيطة من القادم.
أهوار العراق مثالا:
في عام 2016، انضمت أربعة أهوار عراقية مهمة في جنوب العراق إلى قائمة اليونسكو للتراث العالمي، وتقع مواقع الاهوار المدرجة حديثًا بين البصرة وميسان وذي قار، وهي أهوار الجبايش وهور الحمار الغربي، وهور الحمّار الشرقي وأهوار الحويزة، ولكن لحد الان ظلت مواقع التراث العالمي كما كانت قبل إدراجها في قائمة الأمم المتحدة معرضة للإهمال والجفاف.
ويتعرض التنوع البيولوجي للخطر في منطقة الاهوار، فوفقًا لبحث تم إعداده برعاية وزارة البيئة العراقية، تعد الأهوار العراقية محيطًا خصبًا وموطنًا للعديد من الطيور الفريدة من نوعها. وتعتبر الاهوار بيئة فريدة محليا وعالميا، وذات اهميه تؤهلها ان تعتبر محميات طبيعية للتراث الانساني والتوازن البيئي العالمي.
ويعيش العراق ظروفا بيئية قاسية جدا نتيجة لتجاوز دول الجوار (دول المنبع) تركيا وإيران على الحصص المائية العراقية من خلال بناء عدد ضخم من السدود في جنوب شرق الأناضول، وقطع معظم روافد نهر دجلة من الجانب الإيراني وحرفها عن مسارها الطبيعي نحو الأراضي الإيرانية. وجاء قلة تساقط الامطار، بل وانعدامها في بعض المناطق خلال الأعوام الماضية، بسبب أزمة الجفاف التي تتفاقم عاما بعد آخر ليضيف لهذه الظروف الصعبة، هذا إضافة الى جريمة تجفيف الاهوار التي قام بها النظام السابق.
إن العراق يفقد علامته الفارقة كأحد أندر الأنظمة البيئية على مستوى العالم، لما تحتويه هذه البيئة من تنوع أحيائي واسع يدعم بصمات الإرث الحضاري التاريخي في طبيعة أسلوب حياة سكان الأهوار، لذا من الضروري التحرك الدولي، والضغط على دول الجوار لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من حضارة وادي الرافدين. وعليه فقد اَن الأوان لتبادل السوق العراقية بالمياه مع دول الجوار.
أمنا الأرض تبعث لنا دعوة عاجلة للعمل
من الواضح أن أمنا الأرض تبعث لنا دعوة عاجلة للعمل. فالطبيعة تعاني، والمحيطات تمتلئ بالبلاستك، ويزيد معدل حمضيتها، ودرجات الحرارة ترتفع، والتغييرات التي يتسبب فيها الإنسان في الطبيعة تزداد، فضلاً عن الجرائم التي تعطل التنوع البيولوجي، مثل إزالة الغابات، وتغير استخدام الأراضي، وتجفيف المسطحات المائية والبحيرات، والزراعة المكثفة والإنتاج الحيواني، والتجارة المتزايدة والمُجّرمة في الأحياء البرية، والصيد الجائر في المحيطات والانهار، كل هذا يؤدي إلى تسريع وتيرة تدمير كوكبنا.
ففي هذا اليوم الدولي لأمنا الأرض، لنذكر أنفسنا أننا بحاجة إلى التحول إلى اقتصاد أكثر استدامة يعمل لصالح الناس والكوكب، فلنعزز الانسجام مع الطبيعة والأرض، ولنستعيد عالمنا الجميل.
22 نيسان 2023
عيد الارض