في الثالث عشر من حزيران عام 2014 أصدر المرجع الديني السيد محمد علي السيستاني فتوى الدفاع الكفائي لمحاربة منظمة داعش الإرهابية. نتيجة الحالة التي كان يعيشها العراق من ضعف قوات الجيش والحكومة، حيث سقطت أجزاء من الأراضي العراقية بيد تنظيم الدولة، فلم تجد المرجعية أي وسيلة تستطيع من خلالها أن توقف زحف التنظيم إلا بفتوى توجب تشكيل قوات شعبية مساندة للجيش وقوات الشرطة والأمن.
ومع أنها حذرت من استغلال "الفتوى" لمآرب فئوية. الا ان بعض الأحزاب وجدتها فرصة لتأسيس قوات "الحشد الشعبي"، وانخراط الميليشيات المسلحة في صفوفه بهدف إختراق مؤسسات الدولة الأمنية والوقوف حائلا أمام مسؤولياتها وأهمها حفظ أمن الدولة. وما يزال الجدل قائما حول طبيعة عمل الحشد ومدى التزامه بقرارات القائد العام للقوات المسلحة.
يوم الأحد 10 كانون الأول، حلت الذكرى السنوية السادسة ليوم النصر الكبير على تنظيم "داعش" الإرهابي، بعد معارك طاحنة شهدتها بعض المحافظات العراقية بعد سيطرة التنظيم عليها في منتصف عام 2014.
وفي كلمة له، عد السيد محمد رضا السيستاني، نجل المرجع الديني الأعلى الإمام السيد علي السيستاني يوم الأحد 10 كانون الأول 2023، النصر على داعش الإرهابي نقطة مضيئة في تاريخ المرجعية الدينية العليا والبلد. وقال، إن: "أصحاب النصر هم الذين ضحوا بأنفسهم، لا سيما الذين استشهدوا وأصيبوا بعوق دائم. هم أصحاب الفخر، والمجد لهم، ومسؤولية الآخرين مسؤولية عظيمة في الحفاظ على هذا النصر وعدم تشويهه، وقد تحقق بفعل الدماء الكثيرة". وأضاف: "ويوم النصر يوم مهم في تاريخ العراق، ويعتبر نقطة مضيئة للمرجعية، إذ إنها ولأول مرة تفتي بالدفاع الكفائي ويتحقق النصر في تاريخ العراق المعاصر".
لكن السؤال المهم: ماذا جنى المواطن العراقي من بين آفاق النصر ومشروع اللا دولة؟
تابع العراقيون خلال السنوات الماضية لما بعد الانتصار، العديد من الحالات الطارئة، لإخراج الوضع السياسي من حالة الترقب والركود إلى إعادة التوازن بين القول والفعل الذي قطعته على نفسها الحكومات المتعاقبة لتفعيل سلطة الدولة باتجاه إجراءات تنفيذية جادة لمواجهة الأزمات السائدة، ومنها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية. وهي، وإن كانت بالقدر اليسير محددة، ألا أنها إجراءات موضوعية بالغة الأهمية.
في الحادي عشر من آب 2014 كُلف رسميا حيدر العبادي بتشكيل الحكومة العراقية الجديدة بعدما اتفق التحالف الوطني الشيعي على ترشيحه رئيسا للحكومة بدلا عن المالكي المنتهية ولايته. لكن العبادي الذي إستوزر الحكومة، على الرغم من دعم المرجعية الدينية في النجف له، ودعوتها لأن يضرب الفساد والميليشيات المسلحة بكل أشكالها بيد من حديد، واستطاعت حكومته تحقيق إنجاز عسكري ضد تنظيم داعش ودحره، لم يتحرر من عقدة الولاء العقائدي للكتل الشيعية التي كانت تملي عليه قرارتها، فخسر إلى جانب العوامل الخارجية، المساندة الداخلية أيضا. وأهمها القطاعات الشعبية والسياسية والثقافية والإعلامية الوطنية. ففشل في تحقيق برنامج الإصلاح الذي وعد بتنفيذه أثناء تأدية اليمين أمام ما يسمى بمجلس النواب.
وبسبب تردي الأوضاع الأمنية والمعيشية والاقتصادية وازدياد البطالة سيما بين الشباب، غصت ساحات الاحتجاج في العديد من المدن العراقية بالمتظاهرين، ودعا زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر أنصاره للمشاركة فيها. وفي السابع والعشرين من مارس 2016 نصب خيمته في المنطقة الخضراء المحصنة قائلا: (نحن الآن في الخضراء وغدا سيكون الشعب فيها)، ويتذكر العراقيون كيف غادرها المسؤولون والنواب هربا من غضب المنتفضين، ولم يسعف الحظ بعضهم لملمة أمتعته، وآخرون لاذوا بالفرار إلى خارج العراق وهربوا عوائلهم نحو الأردن وتركيا وإيران على وجه السرعة. لكن الصدر الذي كان يتغنى بشعار " شلع قلع" في كل مناسبة، عاد إلى مغازلة ندمائه في الكتل السياسية المستبدة ودعا مناصروه إلى إنهاء الاعتصام أمام بوابات المنطقة الخضراء والعودة إلى بيتوهم.
لم يكن مستغربا، أن تستغل أحزاب السلطة التي هز كيانها دخول المنتفضين المنطقة الخضراء، للاستفادة من "فتوى المرجعية" لتأمين مستقبلها السياسي. ودعت أجنحتها المسلحة للانضواء إلى الجهاد الكفائي، لتكتسب شرعية ظلت تبحث عنها لتحتمي من تواتر الانتقادات التي تواجهها، كونها تعمل خارج إطار الدولة والقانون. ففي السادس والعشرين من نوفمبر 2016 أصدر مجلس النواب تشريعا لتأسيس الحشد أصالة للفتوى، فكان فرصة ثمينة لشرعنة الميليشيات قانونيا. بمعنى، أن أي عملية لإعادة هيكلتها أو حلها بحاجة إلى تشريع جديد. بالإضافة، إلى أنها ستتمتع بنوع من الحصانة وأن تجد أخيرا غطاء مؤسساتيا يوفر لها تأمين رواتب لجميع المنتسبين وتعزيز الدعم المالي والأسلحة من الميزانية العامة للدولة.