تُعد عضوية أيّ مجمع علمي ركيزة أساسية لنجاحه، ولذلك يُنتخب كأعضاء فيه نخبة من العلماء الذين أثروا المعرفة الإنسانية بمساهماتهم البارزة. ويعتبر المجمع العلمي مستودعا لأعلى المواهب العلمية المتاحة في الدولة ويتم دعمها واستشارتها بشكل عام في جميع الأمور المتعلقة بالتعليم والتربية والبحث والتطوير العلمي والتكنولوجي.
منذ فترة طويلة، أبديت اهتماماً كبيراً بإصلاح المجمع العلمي العراقي، وشاركت في تقديم الاستشارة لتعديل قانونه، وكتبت العديد من المقالات حول هذا الموضوع، بهدف أن يصبح المجمع ممثلاً حقيقياً لنخبة العلماء العراقيين، ولم يتوقف اهتمامي بالمجمع وبما يتعلق بعملية اختيار أعضائه ليومنا هذا.
ولقد علمت مؤخراً أن مجلس الوزراء شكل لجنة لإعادة النظر في القائمة القصيرة التي تضم المرشحين للعضوية، ولتقديم اقتراحاتها بشأن تشكيلة المجمع بأكمله. واستناداعلى ما اقترحته وكتبته سابقاً حول خصائص وأهداف وواجبات الأكاديميات أو المجامع العلمية الدولية، وحول التحديات التي تواجه المجمع العلمي العراقي، وحول السبل التي تساعد على رفع مستواه كمرجعية علمية موثوقة، وامتدادا لها سأحاول في هذا المقال التركيز على شروط العضوية في المجمع كما أرى أنها مناسبة للعراق، متوخيا منها ان تكون مرجعا مفيدا للجنة في اختيارها للاعضاء.
ملاحظات حول القانون الحالي
يواجه القانون الحالي للمجمع بعض التحديات التي تُعيق قدرته على مواكبة التطورات العالمية مع ان هذا لا ينفي أهمية ودور المجمع في تعزيز العلم والثقافة في العراق، ونذكر منها:
1.عدم التوافق مع المعايير العالمية: لا يتماشى القانون الحالي كثيرا مع صيغ المجامع العلمية العالمية، مما يُعيق مشاركة المجمع في المحافل الدولية بشكل فعال. هناك نقص في الاستقلالية والحيادية للمجمع العلمي العراقي، حيث يرتبط إدارياً ومالياً بمجلس الوزراء، ويعين رئيسه وأعضائه بمرسوم جمهوري. هذا قد يؤثر على حرية البحث والتعبير والنقد العلمي، ويقيّد الفرص للتعاون مع المجامع الأخرى التي تتمتع بمزيد من الاستقلالية، حيث يركز القانون على اللغات والتراث والعلوم الإنسانية والاجتماعية، دون الاهتمام اللائق بالعلوم الطبيعية والتطبيقية والتقنية. هذا قد يحد من قدرة المجمع على مواكبة التطورات العلمية الحديثة والمساهمة في حل المشكلات الوطنية والعالمية.
2.التركيز على الوظائف الإدارية: يهتم القانون الحالي بالجانب الإداري أكثر من الجوهر العلمي، مما يُفقد المجمع دوره كمرجعية علمية شرفية. فمن الملاحظ أن القانون الحالي يحدد تشكيلاته ومهامه بشكل مفصل ومعقد، وينظم العديد من الأمور الإدارية والمالية والخدمية والتنظيمية. وهذا قد يشير إلى تركيز المجمع على الوظائف الإدارية على حساب الوظائف العلمية والتي لا تختلف ولا تزيد عن مهمات جامعة او كلية، وقد يعكس عدم وجود رؤية واضحة ومتكاملة لأهدافه ومهامه العلمية. مثلاً، ينص القانون على أن المجمع يتولى تحقيق أهدافه بالوسائل المنصوص عليها في المادة (3) منه، ولكنه لا يحدد ما هي هذه الوسائل بشكل محدد ومنهجي، ويترك ذلك لتقرير هيئة الرئاسة والهيئة العامة. هذا قد يؤدي إلى عدم وجود استراتيجية علمية موحدة ومتسقة للمجمع، وقد يفتح المجال للتأثيرات السياسية والشخصية على اتخاذ القرارات العلمية. وبالتالي، قد يفقد المجمع دوره كمرجعية علمية شرفية، وقد ينحصر عمله في الجوانب الإدارية والتشريفية، دون أن يسهم بشكل فعال في تطوير ونشر المعرفة العلمية والثقافية في العراق والعالم.
3.غياب التخصصية: لا يُركز القانون على تنوع تخصصات الأعضاء، مما يُعيق قدرة المجمع على تغطية جميع مجالات المعرفة. ولا يعكس تقسيم التخصصات التنوع العلمي والتقني الذي يشهده العالم اليوم، ولا يشمل العديد من التخصصات الحديثة والمهمة في مجالات العلوم الطبيعية والطب والهندسة والطاقة والبيئة والفنون والإعلام والاجتماع… إلخ.
الهدف من إعادة النظر في العضوية
إعادة النظر في شروط العضوية في المجمع العلمي العراقي له هدف رئيسي وهو تطوير دور المجمع وتعزيز مكانته في المجتمع العلمي المحلي والدولي. من خلال هذه الخطوة، يسعى المجمع إلى أن يصبح مركزاً يحفز الابتكار ويؤثر على صياغة القرار في مختلف حقول المعرفة والتكنولوجيا، بما يخدم مصالح العراق ويحقق تنميته المستدامة. كما يهدف المجمع إلى تنشيط العلوم والآداب في العراق، وزيادة فرص حصوله على أفضل الخبرات العلمية عالميا، وتحويله إلى مركز يلهم العلماء ويثير رغبتهم في الاكتشافات العلمية.
مقترحات لإعادة النظر في العضوية
من بين المقترحات التي تم طرحها لإعادة النظر في عضوية المجمع العلمي العراقي، تبرز في المقدمة المقترحات التالية:
1.الاستعانة بعلماء من أكاديمية العلوم الأمريكية والجمعية الملكية البريطانية والمجامع العلمية العربية للاستفادة من خبراتهم ورؤاهم.
2.التركيز على الجوهر العلمي الشرفي والتقديري لعضوية المجمع، بحيث تكون مرتبطة بالمساهمة الفعلية في تطوير العلوم والمعرفة.
3.تحديد شروط صارمة للعضوية تُركز على عدة معايير، منها: الإنجازات العلمية والخبرة العملية والسمعة العلمية والنشاطات العلمية والمساهمات في خدمة المجتمع والنزاهة والقابلية الفكرية والقدرة على تقديم خدمات للمجتمع العراقي وعلى تمثيله في المحافل الدولية.
4.تحديد عدد الأعضاء بما يتناسب مع احتياجات العراق وطموحاته في التقدم العلمي والتنمية المستدامة.
5.تنوع تخصصات الأعضاء ليشمل جميع مجالات المعرفة وخصوصا العلمية والهندسية والطبية، التي تعتبر أساسية لمواجهة التحديات الراهنة والمستقبلية.
6.تحديد آلية شفافة لاختيار الأعضاء، تضمن العدالة والنزاهة والمساءلة وحق الاعتراض.
7.توفير الدعم المالي للمجمع لتمكينه من أداء مهامه وتحقيق أهدافه.
اخيرا، تعتبر إعادة النظر في شروط عضوية المجمع العلمي العراقي عملية ضرورية لجعله مُؤسسة علمية فعّالة تُساهم في نهضة العراق العلمية وتُعزز مكانته على الساحة الدولية. وبما يضمن تحقيق رؤية واضحة ومتكاملة للمجمع العلمي العراقي كمؤسسة علمية شرفية وفعالة ومؤثرة، للعضوية دور حيوي في تحقيق هذه الرؤية، فهي تمثل النخبة العلمية والثقافية في العراق، وتساهم في إثراء المعرفة والابتكار والتنمية في مختلف المجالات، وتعزز التواصل والتعاون مع المجامع العلمية العالمية، وتشارك في صياغة السياسات العامة المتعلقة بالشؤون العلمية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية. ولذلك، فإن اختيار العضوية يجب أن يكون على أساس المعايير العلمية والأخلاقية والمهنية العالية، وأن يعكس التنوع والتخصصية والتميز في مختلف التخصصات العلمية والتقنية والإنسانية والاجتماعية.