منذ عام 2003، خضعت ساعات الدوام في الكليات العراقية لتغيرات جذرية، بدافع الاوضاع الامنية المضطربة، حيث تم تقليصها لعدة ساعات وانتهاءً في أفضل الاحوال بالساعة الثانية ظهرا. مثلت هذه التغيرات تتويجا لتدهور أوضاع التعليم العالي الذي بدأ بتسيس التعليم في السبعينيات وبلغ ذروته بالانهيار في التسعينيات. نتيجة لذلك، فقدت ساعات الدراسة مرونتها، وباتت الجامعات تعاني من قيود كبيرة في إدارة العملية التعليمية.
مع مرور الوقت، ساد تيار بما يعرف بالدراسات المسائية، وتم تخصيص نفس مرافق الدراسة الصباحية لها، مما ادى الى تحويل الجامعات الى نموذج يشبه المدارس الابتدائية والثانوية المزدوجة او الدوام الجزئي. فباتت الدراسات المسائية تشارك نفس المباني مع الدراسات الصباحية وتدرس نفس الاختصاصات وتمنح نفس الشهادات، وتبدأ في الساعة 2 ظهرا بدلا من السادسة مساء كما كانت عليه سابقا، لتنتهي في الساعة 5 او 6 مساء. مع ملاحظة انه حديثا تم تغيير موعد بداية الدراسات المسائية الى الساعة الرابعة لربما لمنح وقت اطول للدراسات الصباحية.
وبالرغم من اننا ناقشنا هذا الموضوع واعترضنا على نظام الدوام المزدوج في عدد من الكتابات واللقاءات منذ 2003 الا انه لم يحظى بالاهتمام اللازم بسبب الضغوط السياسية والامنية ولتفضيل التدريسيين والموظفين لساعات العمل القصيرة، بالرغم من كونه يحمل في طياته مخاطر جمة، خاصة على صعيد جودة التعليم، حيث يعد من اهم وأخطر المشاكل التي تواجه هذا القطاع، ويتعارض مع متطلبات الجودة والاعتماد. كما ان تأثيراته السلبية تمتد الى الدراسات العليا والتي تتطلب قضاء اوقات طويلة في المختبر والمكتبة وهو ما دفع كثير من الطلبة الى شراء خدمات المختبرات والمكاتب الاهلية.
ويزيد من الطين بله صدور قرار مجلس الوزراء ببدء دوام الكليات في الساعة 10 صباحا حيث انه من المؤكد انه سيفاقم المشكلة، وسيوسع الفجوة بين الجامعات العراقية ونظيراتها العالمية، ويؤثر سلبا على مستوى التعليم العالي في البلاد خصوصا بعد تحديد نهاية الدوام بالساعة الرابعة.
يعتبر عدد ساعات الدوام الدراسي في الجامعات العراقية منخفضا للغاية مقارنة بالجامعات العالمية. بدون أدني شك تمنع قصر هذه المدة الطلاب من فترات الدراسة اللاصفية داخل الجامعة، وتشكل عائقاً رئيسياً أمام تحقيق التميز على المستوى العالمي، حيث لا يتيح للطلاب الحصول على المعرفة والمهارات اللازمة للمنافسة في سوق العمل.
ولعلّ الحل الامثل لمواجهة هذه التحديات، يكمن في اعادة ساعات فتح الجامعات الى ما كانت عليه سابقا، اي من 8 صباحا الى 6 او الى 9 مساء، وهو ما سيمنح الدراسات الاكاديمية خصوصا العلمية مزيدا من المرونة في جدولة ساعات التدريس والتدريب، بما يتناسب مع خيارات الاقسام والاساتذة ومحتوى المنهج من ساعات نظرية وعملية ومكتبية ومشاريع تطبيقية بالإضافة الى النشاطات اللاصفية والتي لا يتضمنها المنهج.
ولكن تطبيق هذا الحل يتطلب اتخاذ خطوات حاسمة، اهمها التوقف عن اعتماد نظام الشهادات المزدوجة، وعودة اوقات الدراسة الى حالتها الطبيعية، واعادة النظر في نظام الدراسات المسائية، اما من خلال عودتها الى ما بعد الساعة السادسة مساءً، او استخدامها لمباني اخرى، او حتى فصلها تماما وتأسيس جامعات مسائية مستقلة.
من خلال هذه الاجراءات، ستتمكن الجامعات من تحقيق الاستفادة القصوى من مرافقها، وتقديم المزيد من الخيارات للطلاب، وتحسين جودة التعليم العالي في العراق، ليواكب التطورات العالمية في هذا المجال.