علم التجهيل ( الاغنوتولوجيا) هو مصطلح يستخدم لوصف دراسة الافعال المتعمدة والمدروسة التي تهدف الى نشر التضليل وخلط الامور للتأثير على الرأي العام ولكسب التأييد او لبيع منتج ما او للاضرار بالسمعة، واحب تسميته بفن اللف والدوران. تم ابتكار هذا المصطلح من قبل العالم روبرت بروكتور وخبير اللغويات ايان بوال في عام 1995. يعتبر علم التجهيل مهما لفهم كيف للمعلومات المضللة ان تؤثر على الرأي العام واتخاذ القررات.
لماذا علم التجهيل علم مهم؟ لان المعلومات الخاطئة يمكن ان تجعل الناس يتخذون قرارات خاطئة وتؤثر على الرأي العام. لكن عندما تدرك كيف تشتغل الخدعة، يمكنك ان تحمي نفسك منها. والموضوع ليس سهلا كما تظن، فالجهل عنده خارطته الخاصة ويتغير حسب السياسة والمصالح. نحن نعيش بزمن الجهل الشديد، والعجيب بالموضوع ان الحقيقة غير قادرة ان تخترق كل هذا الضجيج الصادر من وسائل الاعلام والسوشيال ميديا. الجهل ينتشر أولا عندما لا يفهم الناس ما هو مفهوم او ما هو حقيقة، وثانيا عندما تأتي مجموعات ذات مصالح خاصة – مثل حزب او مجموعة سياسية – وتشتغل بجد لخلق التشويش حول موضوع معين. باختصار، ان فهم الجهل السياسي هو جزء رئيسي لكي نفهم العالم حولنا بشكل ادق واصح.
ان علم التجهيل، بدراسته لتأثير المعلومات المغلوطة على القرارات والسلوكيات الفردية والجماعية، يسلط الضوء على تعقيد الجهل وتشكله وفقا للسياقات السياسية والمصالح المختلفة.
لا شك اننا نعيش في عصر يتسم بالجهل المتفشي، حيث تجد الحقائق صعوبة في اختراق الضجيج الذي تحدثه وسائل الاعلام ومنصات التواصل الاجتماعي. الجهل ينتشر اولا عندما يخفق الاشخاص في فهم المفاهيم او التمييز بين الحقيقة والزيف، وثانيا عندما تعمل جماعات ذات مصالح خاصة، كالاحزاب والتكتلات السياسية، على خلق البلبلة والتشويش حول قضايا معينة، الا ان الالمام باليات الخداع والتزيف يمكن الافراد من حماية انفسهم من التضليل. كما ان ادراك الجهل السياسي يعتبر جزءا لا يتجزأ من فهمنا للعالم حولنا بشكل اكثر دقة وواقعية.
المؤرخون وفلاسفة العلم يميلون الى معاملة الجهل على انه فراغ يتمدد باستمرار ليمتص المعرفة. ومع ذلك ، فان الجهل اكثر تعقيدا من هذا، اذ ان له جغرافيا سياسية مميزة ومتغيرة. وغالبا ما يكون مؤشرا ممتازا على سياسات المعرفة. فبدلا من كونه مجرد غياب للمعرفة، يتجلى الجهل باشكال متعددة: جهل مقصود ينبع من الاهمال او الرفض او الخوف، وجهل غير مقصود ناتج عن نقص التعليم او الفرص او القيود الثقافية، وجهل اختياري يتغذى على التحيز او الايديولوجية او رغبة في الحفاظ على السلطة.
وتتوزع هذه الاشكال من الجهل على مناطق وفئات اجتماعية محددة، مما يخلق “خرائط جهل” تتغير مع مرور الوقت وتتأثر بالتغيرات الاجتماعية والسياسية والتكنولوجية.
ويمثل الجهل مؤشرًا قيما لسياسات المعرفة، حيث يكشف عن اولويات البحث، والتفاوتات في السلطة، والديناميات الاجتماعية. فمثلا، تظهر الرقابة والتضليل الاعلامي والتعليم الموجه كيف يتم استخدام الجهل وتوظيفه في السياقات الاجتماعية والسياسية. وفهم الجهل ضروري لتصميم سياسات فعالة تهدف الى زيادة المعرفة وتقليل التفاوتات. كما يساعد على تعزيز التفكير النقدي وبناء مجتمعات اكثر عدلا.
ولذا، يجب اتخاذ خطوات لمواجهة الجهل، مثل تعزيز التعليم النوعي ودعم الصحافة المستقلة وفتح نقاشات عامة، ومكافحة التمييز. فالمعرفة ليست مجرد سلاح لمواجهة الجهل، بل هي اساس بناء مجتمعات اكثر ابداعا وازدهارا. والمعرفة ليست مجرد ملء فراغ، بل هي اضاءة دروب نحو مستقبل افضل.
وفيما يلي بعض الامثلة على الاغنوتولوجيا في التضليل:
التشكيك في الخبراء:
الهجوم على نزاهة العلماء والمؤسسات العلمية: قد يسعى الفاعلون السياسيون الى تقويض ثقة الجمهور في الخبراء والمؤسسات العلمية من خلال نشر معلومات مضللة او تشويه سمعتهم. على سبيل المثال، قد يتم مهاجمة العلماء الذين يدرسون تغير المناخ باعتبارهم متحيزين او مدفوعين باجندات (بأجندات) خفية، او قد يتم التشكيك في نزاهة الدراسات العلمية التي تدعم سياسات معينة.
نشر معلومات مضللة حول مواضيع علمية: قد يتم نشر معلومات مضللة او زائفة حول مواضيع علمية معقدة، مثل تلوث البيئة او السلامة النووية او الصحة العامة، بهدف ارباك الجمهور وجعله غير قادر على تقييم المخاطر بشكل صحيح.
الترويج لنظريات المؤامرة: قد يتم الترويج لنظريات المؤامرة التي تشكك في الدوافع او النتائج العلمية، بهدف زرع الشك وعدم الثقة في المعلومات الموثوقة.
2.استخدام اللغة الغامضة او المضللة:
استخدام مصطلحات علمية زائفة او مضللة: قد يتم استخدام مصطلحات علمية زائفة او مضللة لخلق انطباع زائف من الدقة او المصداقية. على سبيل المثال، قد يتم استخدام مصطلح “علم مزيف” لوصف اي بحث علمي لا يتوافق مع وجهة نظر سياسية معينة.
التلاعب باللغة لاخفاء المعلومات المهمة: قد يتم استخدام اللغة الغامضة او المضللة لاخفاء المعلومات المهمة او التهوين من شأنها. على سبيل المثال، قد يتم استخدام مصطلح “مخاطر محتملة” بدلا من “مخاطر جسيمة” لوصف مخاطر احد المنتجات او السياسات.
استخدام الايحاءات العاطفية بدلا من الحقائق: قد يتم استخدام الايحاءات العاطفية بدلا من الحقائق لاثارة مشاعر الخوف او الغضب لدى الجمهور، مما يجعله اكثر عرضة للتأثر بالرسائل المضللة.
3.استغلال عدم اليقين والشك:
الترويج لعدم اليقين العلمي على انه دليل على عدم وجود اجماع: قد يتم الترويج لعدم اليقين العلمي الطبيعي على انه دليل على عدم وجود اجماع علمي حول قضية معينة، بهدف اضعاف ثقة الجمهور في العلم.
التضخيم من مخاطر تقنيات او سياسات جديدة: قد يتم تضخيم مخاطر تقنيات او سياسات جديدة بشكل مبالغ فيه، بهدف اثارة الخوف لدى الجمهور ومنعه من دعمها.
التقليل من شأن فوائد تقنيات او سياسات قائمة: قد يتم التقليل من شأن فوائد تقنيات او سياسات قائمة، بهدف اقناع الجمهور بأنها غير فعالة او غير ضرورية.
4.استغلال السلطة لثقة الشعب بها:
نشر معلومات مضللة من قبل مسؤولين حكوميين او شخصيات سياسية: قد يتم نشر معلومات مضللة من قبل مسؤولين حكوميين او شخصيات سياسية، مما يمنحها مصداقية زائفة ويجعل الجمهور اكثر عرضة لتصديقها.
استخدام وسائل الاعلام المملوكة للدولة لنشر الدعاية: قد يتم استخدام وسائل الاعلام المملوكة للدولة لنشر الدعاية والمعلومات المضللة، مما يحد من قدرة الجمهور على الوصول الى المعلومات الموثوقة.
التضييق على حرية التعبير والصحافة: قد يتم التضييق على حرية التعبير والصحافة، مما يمنع الصحفيين من التحقيق في المعلومات المضللة وتقديم تقارير عنها.
امثلة على الاغنوتولوجيا في نشر المعلومات المضللة في العراق:
نشر معلومات مضللة حول ازمة كوفيد 19: خلال جائحة كوفيد 19، تم نشر العديد من المعلومات المضللة حول الفيروس وطرق الوقاية منه وعلاجه. تضمنت هذه المعلومات ادعاءات كاذبة حول عدم فعالية اللقاحات ووجود علاجات “معجزة” للفيروس.
التضليل السياسي ضد النشطاء: يشكل التضليل السياسي اداة قوية يستخدمها بعض الفاعلين السياسيين في العراق لقمع المعارضة واضعافها. ويشمل ذلك نشر معلومات مضللة واستخدام خطاب الكراهية والعنف ضدهم ونشر معلومات مضللة عبر وسائل الاعلام والسوشيال ميديا وشن حملات تشويه سمعة. وكذلك نشر معلومات مضللة لقمع حرية التعبير وحجب المعلومات او التلاعب بها لمنع الجمهور من معرفة الحقيقة حول قضايا مثل الفساد او انتهاكات حقوق الانسان
استخدام الاغنوتولوجيا لنشر الكراهية والعنف الطائفي: غالبا ما يتم استخدام الاغنوتولوجيا لنشر الكراهية والعنف الطائفي. على سبيل المثال، قد يتم نشر خطاب كراهية ضد مجموعات عرقية او دينية معينة.
استخدام لغة عاطفية بدلا من الحقائق: لاثارة مشاعر الخوف او الغضب لدى الجمهور، مما يجعله اكثر عرضة للتأثر بالرسائل المضللة.
التعميم بدلا من تقديم تفاصيل محددة: لاخفاء المعلومات المهمة.
نشر معلومات مضللة من قبل جهات سياسية: لجعل الجمهور اكثر عرضة لتصديقها.
من المهم ملاحظة ان هذه مجرد امثلة قليلة، وان هناك العديد من الطرق الاخرى التي يمكن من خلالها استخدام الاغنوتولوجيا في التضليل السياسي.
للتصدي للتضليل السياسي، من المهم ان يكون لديك وعي نقدي للمعلومات التي تستهلكها، وان تبحث عن مصادر موثوقة، وان تفكر بطريقة انتقادية في ادعاءات الاخرين. بالاضافة الى ذلك، من المهم دعم الصحافة المستقلة والمنظمات المدنية التي تعمل على مكافحة التضليل الاعلامي.