الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
البيدوفيليا (*) في مشروع تعديل قانون الأحوال الشخصية بالعراق

   ليست المرّة الأولى التي يتقدّم فيه التحالف الشيعي بمشروع قرار لتعديل الفقرة 57 من قانون الأحوال الشخصية الصادر عام 1959 ولن تكون الأخيرة، فهذا القانون والذي كان تحت مرمى سهام رجال الدين منذ إقراره ولليوم سيظلّ ورقة طائفيّة بيد رجال الدين الشيعة وأحزابهم من جهة، وورقة سياسيّة بيد الإسلام السياسي للهروب الى الأمام خلال الأزمات التي يمر به بلدنا على مختلف الصعد من جهة أخرى.

   دعونا بداية مناقشة دستورية هذا التعديل الذي إن أقُرّ يوما، فأنّه سيساهم في تمزيق النسيج الوطني العراقي حتّى على مستوى الأديان والطوائف والمذاهب نفسها، لأختلاف الأحكام الفقهية بين نفس الفرق المختلفة للأديان والمذاهب المكوّنة للنسيج المجتمعي العراقي، وهذا ما سيعقّد الأوضاع الأجتماعية على مستوى الزواج والطلاق وحضانة الأطفال والإرث وغيرها. فالمواطنة ومساواتها بين فئات السكان المختلفة ستصطدم وقتها بجدار فقهي لا يعرف معنى المواطنة بالمرّة، وهو المؤمن بحل مشاكل مريدي ومقلدّي هذه الأديان والمذاهب بعيد عن ضوابط يتساوى فيه الجميع من الناحية القانونية. نقول دعونا نناقش قبل الخوض في المقالة في تناول مادتين دستوريتين تتعارضان وبشدة مع مشروع التعديل الذي يريد التحالف الشيعي إقراره في البرلمان.

   إن تمّ إقرار التعديل المزمع على قانون الأحوال الشخصية، فأنّ أحد أهم إشكالياته هو تجاوز الدستور أو عدم الإهتمام بالحقوق المدنية للشعب العراقي، تلك التي نصّ عليها الدستور الذي كان في لجنة أعداده وصياغته عدد من رجال دين الطائفتين وممثلين عن الأديان والطوائف من غير المسلمين، والذي ينصّ في مادّته الرابعة عشر على أنّ (العراقيون متساوون أمام القانون دون تمييز بسبب الجنس أو العرق أو القومية أو الأصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي أو الوضع الأقتصادي أو الإجتماعي). كما وإن التعديل سينسف أساس المجتمع من خلال تدميره لنواة هذه الأساس أي الأسرة، وهذا ما جاء به الدستور في المادّة 29 – أولا- أ والذي ينصّ على أنّ (الأسرة أساس المجتمع، وتحافظ الدولة على كيانها وقيمها الدينية والأخلاقية والوطنية).

   نستطيع القول هنا من أنّ العلاقة بين الأسلام السياسي الذي يعمل على تمرير القانون وبين المؤسسة الدينية الراعية لهذا القانون، سينعكس سلبا على طبيعة المجتمع من الناحية الدينية والمذهبية. وبالتالي فأنّ هذا المشروع سيؤدي الى أستقطابات طائفية ستمزّق ليس نسيج المجتمع الرث نفسه، بل ستمزّق وحدة العائلة العراقية بسبب علاقات المصاهرة بين المذاهب والقوميات المختلفة. لذا فأنّ هذا التعديل الذي هو بالحقيقة جس نبض لتمرير مشاريع أكثر خطورة منه مستقبلا لا يتلائم مطلقا مع بناء الدولة، التي هي بحاجة الى تجاوز التخندقات القومية والدينية والطائفيّة لبنائها بالشكل الصحيح والعلمي.

   يريد المشرّع الشيعي ومن وراءه المؤسسة الدينية الشيعية تمرير التعديل على الرغم من أنّ المسلمين أنفسهم لازالوا غير متفقين لليوم (لن يتفقّوا أبدا) على عدد الشهود عند عقد الزواج خارج المحكمة الشرعية!! من خلال إختلاف المذاهب الإسلامية المختلفة على تفسير الآية الثانية من سورة النساء والتي تقول (فأذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ۚ ذَٰلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا)، فالشيعة الإمامية يفسرون الآية على وجوب وجود شاهدين عدلين عند الطلاق، والمذاهب السنية يفسرونها على وجوب وجود شاهدين عدلين عند الزواج هذا حينما نبحث عن الفروقات بين مذهبين مختلفين، لكن المشكلة الأخرى هي وجود تفسيرات مختلفة عند فريقين من نفس المذهب وهذا ما يعمّق المشكلة أكثر، فجمهور رجال الدين عند مذهبين من مذاهب أهل السنّة يختلفون في تفسير معنى العدالة في نفس الآية آنفة الذكر، فأصحاب المذهب المالكي يقولون أنّ الشاهد العادل هو من (يتجنب الكبائر ويؤدي الأمانة ويحسن معاملة الأخرين)، أمّا أصحاب المذهب الحنبلي فيقولون أنّ العدالة (هنا) هو ( الصلاح في الدين وأداء الشاهد لجميع الفرائض وتجنّب الكبائر)، وفي حالة تمرير التعديل فأنّ المشاكل في هذا الحقل بين زوجين من نفس المذهب ونفس الدين ستكون كارثية، وهذا ما يؤكّد لنا صحة وفاعلية قانون الأحوال الشخصية لعام 1959، على الرغم من عدم تناوله لجميع حالات الخلاف، وفتحه الباب مفتوحا لتعديلات المشرّع العراقي من خلال مواد دستورية وقانونية تتعامل مع المشكلة على أساس المواطنة لا على الطائفة والدين، فالمادة الخامسة من الدستور تقول أنّ (السيادة للقانون ....)، ولم تقل أنّها أي السيادة لرجل الدين.

   أنّ تمرير القانون والمصادقة عليه سيمنح رجال الدين المسلمين ومنهم رجال الدين الشيعة الحق في إبرام عقود زواج دائم للقاصرات (قانونيا) خارج المحكمة الشرعية عند إكمال الأنثى ( تسع سنين هلاليّة، و هو يعادل ثمان سنين ميلادية وثمانية أشهر وعشرون يوماً تقريباً) كما يقول السيد السيستاني في باب الأستفتاءات، وهذا السن متفّق عليه مع بقية المذاهب الإسلامية مجتمعة. كما يمنح رجال الدين الحق بتنظيم عقود الزواج المؤقت المعمول به اليوم بالعراق للأسف الشديد، والذي هو بالحقيقة ليس الا باب من أبواب الدعارة التي يدّعي رجال الدين محاربتها كونها منافية للأخلاق. كما ولا يختلف رجال الدين الشيعة والسنّة في تزويج الصغيرة حتى قبل البلوغ إستنادا الى الآية الرابعة من سورة الطلاق (وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ). وهنا تحديدا يبدأ أحد أخطر حالات الزواج التي يرفضها العقل الأنساني السوي والقانون، وهو تزويج الرضيعة التي هي دون سنّ البلوغ من رجل بالغ لأسباب عديدة منها الفقر وتأثير رجل الدين على العامّة وغياب الوعي عند والدي الطفلة الرضيعة.

   لا يختلف الإماميّة عن مذاهب أهل السنّة في زواج الرضيعة في أصل الأباحة بل في جزئياتها، ومن أهم جزئيات هذا الشكل من أشكال الزواج هو إباحة الأستمتاع بالرضيعة لحين بلوغها ودخول زوجها عليها!! فأهل السنّة والجماعة ووفق مصادر لأحمد بن حنبل وغيره والتي صحّحها الألباني يقولون " لا يجوز له – أي الزوج - بأي حال أن يستمتع بها أي استمتاع يؤدي إلى الإضرار بها ، فإن فعل فهو آثم، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا ضرر ولا ضرار". أمّا الإمام الخميني فيقول في تحرير الوسيلة – الجزء الثاني- ص 241 مسألة 12 " لا يجوز وطء الزوجة قبل إكمال تسع سنين، دواما كان النكاح أو منقطعا، وأما سائر الاستمتاعات كاللمس بشهوة والضم والتفخيذ فلا بأس بها حتى في الرضيعة، ولو وطأها قبل التسع ولم يفضها لم يترتب عليه شئ غير الإثم على الأقوى، وإن أفضّاها بأن جعل مسلكي البول والحيض واحدا أو مسلكي الحيض والغائط واحدا حرم عليه وطؤها أبدا لكن على الأحوط، في الصورة الثانية، وعلى أي حال لم تخرج عن زوجيّته على الأقوى، فيجري عليها أحكامها من التوارث وحرمة الخامسة وحرمة أختها معها وغيرها، ويجب عليه نفقتها ما دامت حية وإن طلقها بل وإن تزوجت بعد الطلاق على الأحوط، بل لا يخلو من قوة، ويجب عليه دية الافضاء، وهي دية النفس، فإذا كانت حرة فلها نصف دية الرجل مضافا إلى المهر الذي استحقته بالعقد والدخول، ولو دخل بزوجته بعد إكمال التسع فأفضاها لم تحرم عليه ولم تثبت الدية، ولكن الأحوط الانفاق عليها "!! فيما يقول السيد السيستاني في كتاب منهاج الصالحين – الجزء الثالث – ص 10 وحول نفس المسألة " لا يجوز وطئ الزوجة قبل إكمال تسع سنين، دواما كان النكاح أو منقطعا، وإما سائر الاستمتاعات كاللمس بشهوة والتقبيل والضم والتفخيذ فلا بأس بها، ولو وطئها قبل إكمال التسع ولم يفضها لم يترتب عليه شئ غير الإثم على الأقوى - والافضاء هو التمزق الموجب لاتحاد مسلكي البول والحيض أو مسلكي الحيض والغائط أو اتحاد الجميع - ولو أفضاها لم تخرج عن زوجيته، فتجري عليها أحكامها من التوارث وحرمة الخامسة وحرمة أختها معها وغيرها، ولكن قيل: يحرم عليه وطؤها أبدا. إلا أن الأقوى خلافه.، ولا سيما إذا اندمل الجرح - بعلاج أو بغيره - نعم تجب عليه دية الافضاء، وهي دية النفس إن طلقها، بل وإن لم يطلقها على المشهور، ولا يخلو عن وجه، وتجب عليه نفقتها ما دامت مفضاة وإن نشزت أو طلقها، بل وإن تزوجت بعد الطلاق على الأحوط. ولو دخل بزوجته بعد إكمال التسع فأفضاها لم تحرم عليه ولم تثبت الدية، ولكن الأحوط وجوب الانفاق عليها كما لو كان الافضاء قبل إكمال التسع، ولو أفضى غير الزوجة بزناء أو غيره تثبت الدية، ولكن لا إشكال في عدم ثبوت الحرمة الأبدية وعدم وجوب الانفاق عليها".

   نحن في حالات إباحة الزواج من القاصرات ومنهنّ الرضيعات وفق مختلف المذاهب الإسلاميّة وهذا ما يريد المشرّع الشيعي تحقيقه من خلال تعديل قانون الأحوال الشخصية لعام 1959 ، أمام جريمة كبرى بحق الطفولة وهي إباحة البيدوفيليا* شرعا في المجتمع، خصوصا مع إزدياد حالت الفقر وتعدد الزوجات. فإختلاء الرجل البالغ برضيعة قد يكون عمرها ثلاثة أشهر وحتى أقل شرعا في بيت والديها، وممارسة كل ما تشتهيه نفسه المريضة معها وفق الشرع الإسلامي الذي حلّل له هذه الممارسات !! عمليّة غير أخلاقية تضاف الى ما يعانيه مجتمعنا اليوم من أنتشار أمراض أجتماعية وأخلاقية لم تكن معروفة سابقا في مجتمعنا المحافظ قبل الأحتلال الأمريكي للبلاد، أو كانت على مستوى ضيّق جدا وغير محسوس ويعاقب عليه القانون.

   أنّ جميع القوى الديموقراطية والنسوية ومنظمات المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية والعقلاء من البرلمانيات والبرلمانيين العراقيين، مدعوون اليوم للوقوف بحزم ضد جريمة تعديل قانون الأحوال الشخصية الذي يطالب الأطار التنسيقي الشيعي تمريره وإقراره، من خلال تثقيف الجماهير على الجرائم التي سترتكب بحق المرأة وأستعبادها والطفولة وبراءتها. أن القوى صاحبة هذا المشروع الكارثي لم تكتفي في نهب ثروات البلاد ومصادرة الحريات وإشاعة الفساد في كل مفاصل المجتمع ومرافق ما تبقى من الدولة، بل تريد أن تذهب بعيدا اليوم في إشاعة الأنحلال الأخلاقي من خلال تفاسيرها غير المواكبة لحركة التاريخ، كما وعلى رجال الدين التنويريين العمل على أنسنة الشريعة والفقه ليواكب عصرنا اليوم خصوصا حينما يتعلّق الأمر بالمرأة وحقوقها والقاصرات والرضيعات وبرائتهن..

   (*) البيدوفيليا: أنجذاب البالغين نحو الأطفال ذكورا وإناثا لأشباع رغباتهم الجنسية وهو أضطراب عقلي وقد أثبتت الاختبارات ( أن مرضى البيدوفيليا يعانون من بعض التشوهات العصبية ونسبة الذكاء عندهم أقل بحوالي ثماني في المائة عن المتوسط، حسب الطبيب النفسي جورخي بونسيتي، الذي يضيف وفق مقالة لفرانك هاجاش نشرت في موقع وكالة الأنباء الألمانية DW بتاريخ 25/ 5 / 2014 أن"من المثير للاهتمام أيضا أن عمر الضحية له علاقة مع نسبة الذكاء عند الجاني". وهذا يعني أنه كلما كان غباء الجاني أكثر، يكون الطفل اصغر سنا. كما أن هناك أدلة على أن المولعين بالأطفال يكونون أقصر من متوسط حجم السكان. كما وجد باحثون كنديون أن المولعين بالأطفال تعرضوا لضعف عدد إصابات الرأس في مرحلة الطفولة بالمقارنة مع غيرهم من الأطفال). لكننا في العراق اليوم أمام مشرّع يريد منح البيدوفيلي إن صحّ التعبير أو أنتاج ظاهرة البيدوفيليا ووفق فتاوى دينية، الصفة القانونية والشرعية في إعتداءه على الرضيعات، ولا نعرف من الأكثر غباءا هنا، هل هو المشرّع الذي يبيح هذه الممارسة الشاذة، أم البيدوفيلي الذي يمتلك فتوى شرعية لممارسة هذا الشذوذ الأخلاقي، أم من..؟

  كتب بتأريخ :  الجمعة 02-08-2024     عدد القراء :  912       عدد التعليقات : 0