نشرت " طريق الشعب" في عددها الصادر بتاريخ 21 تموز الفائت تقريراً مهماً قيّماً أعده الزميل الأستاذ محمد التميمي، حيث تناول فيه ما وصل إليه خطاب الكراهية الطائفي من مستويات في منتهى الخطورة، ولاسيما في وسائل التواصل الاجتماعي. التقرير نوّه بتحليل موضوعي في مقدمته، بأن هذا الخطاب بات يشكل اليوم "أداة سياسية فاعلة لدى العديد من القوى والأحزاب المتنفذة التي تعزف على هذا الوتر كلما انخفض رصيدها السياسي وغابت عن الأضواء". ولا شك بأن هذه السياسة في تقديرنا تتناقض مع شعاراتها وأهدافها من أجل الديمقراطية في العراق واحترام الحريات والتعددية الدينية، وهي ذات الشعارات التي كانت تنشرها تلك القوى في الخارج قبل الاحتلال الأميركي ليس في أدبياتها فقط، بل وتخاطب بها منظمات حقوق الإنسان الدولية المنظمات الدولية لفضح النظام الدكتاتوري المقبور، كما تخاطب بها أيضاً القوى السياسية في الدول الغربية لكسبها إلى صفها كقوى ديمقراطية من أجل تكثيف ضغوطها على النظام.
أستند التقرير في تقديره لتفاقم خطورة "خطاب الكراهية" بما أورده بيان أصدره "فريق التقنية من أجل السلام"، كما استند أيضاً إلى تقرير يتسم بالموضوعية أصدرته "مؤسسة مسارات للتنمية الثقافية والإعلامية" وقد تضمّن تقدير النسب المئوية لخطاب الكراهية التي تشغل منصات " السوشال ميديا" بالإضافة لرصد ما يقدم في القنوات التلفزيونية. لكن التقرير خلا من منصة " الوتساب"، رغم خطورتها الشديدة في ترويج خطاب الكراهية، ولربما يعود ذلك لكونها منصة مغلقة. ولعل العراق من أكثر البلدان العربية التي اكتوت بكوارث ومآس بشعة لا مثيل لها في تاريخه، جراء خطاب الكراهية: مذابح جماعية وحروب إرهابية مدعومة من الخارج امتدت لسنوات طوال في أعقاب الاحتلال الأميركي عام 2003.
ومع أن المؤشرات الإحصائية التي خلص إليها التقرير العراقي ذات دلالة تخص العراق، إلا أنها تكاد تكون مشتركة فيما يتعلق بتفاقم خطورة خطاب الكراهية في أغلب الدول العربية، ولا سيما في بعض دول جواره بالمنطقة الخليجية، حتى أنها تكاد تتطابق مع بعض بلدان المنطقة.
وبناء على هذه المعطيات نرى بات لزاماً اليوم على كل القوى الوطنية والشريفة في البلدان العربية المنكوبة بهذا الوباء، وكل من يعز عليهم وحدة شعوبهم وتعزيز هوياتها الجمعية في مواجهة صعود الهويات الفرعية، بأن تتكاتف لمواجهة هذا الوباء الفتّاك، وأن تعزز وحدة صفوفها، وتجعل من هذه المهمة على رأس أجنداتها النضالية، ذلك بأن استمراره وتفاقمه بات يشكل اليوم عقبة كأداء في طريقها النضالي من أجل توعية الجماهير بحقوقها وقضاياها المشتركة الآنية الأهم، ومن ثم تخليص فئات واسعة من فيروس ذلك الوباء المدمر، وأن تعزز كذلك نضالاتها لإجبار الأنظمة العربية ليكون لها دور محوري فاعل، باعتبارها الجهة الأولى المعنية بحفظ السلم الأهلي وتفادي تمزق النسيج الوطني الواحد وتفكك الجبهات الداخلية والحروب الأهلية داخل دولها، وصولاً إلى مقاربات مشتركة بين تلك القوى من جهة والأنظمة من جهة أُخرى، مقاربات ذات حلول عملية تملك آليات كفيلة بتنفيذها في أقرب الآجال الممكنة.