على مدى خمسة ايام متتالية لم يتوقف جهاز الموبايل الخاص بي من الرنين ...عشرات المكالمات والرسائل الإلكترونية على العادي والواتساب من قنوات فضائية وبعضها من صحف ومواقع إلكترونية كلها تريد مشاركتي معها سواء في نشرات الأخبار أو البرامج لأدلي بدلوي بشأن مآلات الحكم المتوقعة في قضية نور زهير أو ما يعرف "بسرقة القرن" بالاستناد الى وظيفتي السابقة في مكافحة الفساد ، لكني كنت أنظر للموبايل ولم أفتحه باستثناء احد المواقع الإلكترونية لصحيفة عربية وليست عراقية كتب مراسلها رسالة تضمنت أسئلته فكتبت له معتذراً : "متأسف أخي العزيز لا يمكن التكهن بقرارات وأحكام القضاء فذلك يعتمد على طبيعة وكفاية الأدلة الثبوتية بشأن القضية المعروضة وقناعة القاضي أو المحكمة ".
لأتفاجأ اليوم ببث مقاطع ترويجية للقاء مرتقب لنور زهير مع احدى القنوات الفضائية وهو يقول: أن "سرقة الأموال الضريبية يجب أن تسمى كذبة الأموال الضريبية"، وإن الأموال التي كانت بحوزته تعود لـ"صكوك ومعاملات مدققة من هيئة النزاهة، وهي ليست أموال دولة"، مشدداً بالقول: "ولا دينار واحد يعود للدولة". وأنا لم أسرق ولم أخالف القانون ...!
وكل الذي حصل هو إن للشركات المتعاملة مع الحكومة ديون "هو لم يقل أمانات بل سماها ديون ، لا تستطيع تلك الجهات استحصالها من الحكومة بسبب الروتين والفساد واسباب أخرى مع انها مستحقة لها قانوناً فتم الاتفاق بيني وبين تلك الشركات على شراء ديونها المستحقة لها بذمة الحكومة بسعر أقل من حقيقتها ، وأنا أقوم بتحصيل تلك الديون بموجب وكالات من الشركات تفوضني بسحب تلك الأمانات نيابة عنها فأحتفظ بالمبالغ لي، وربحي من العملية هو مقدار الفرق بين ما دفعته للشركات مقدما وبين ما تصرفه الحكومة لي نيابة عن الشركات ".
وطبعاً هذا الفعل بشكله المجرد لا ينطوي على سرقة من قبل نور زهير لأموال الدولة ولا يعد فعله جريمة يحاسب عليها ...ولكن ...وهذه الـ لكن عليها خراب بيت الدولة العراقية:
1. الحكومة والجهات البرلمانية ذات العلاقة عندما فجرت قنبلة "سرقة القرن" جعلت من نور زهير بطلها الأوحد وعقدت له لواءها بطريقة تتماهى وطريقة عقد لواء "قادسية صدام" باسم صدام بوصفه بطل الأمة الأوحد.
2. أشارت ولكن من طرف خفي لطريقة سحب مبالغ الأمانات بموجب وكالات ولكنها وصفتها بالمزورة.
3. ركزت على ان السرقة حاصلة لأموال الدولة لأنها ستضطر لتسديدها للشركات التي تعود لها الأمانات ان راجعت دون ان تغير واقعة صرفها لنور زهير من الأمر شيئاً، وحتى لو ظهر أن بعض الأمانات بات يعود للدولة بحكم القانون لمضي المدة القانونية 5 سنوات عليها دون مراجعة ومطالبة الشركات التي دفعتها وبالتالي تسجل ايراد للدولة... لكنها أي الحكومة لم تركز على هذا الجانب وجعلته أمر ثانوي جداً للمبالغة في توجيه الأنظار لدور البطل "القومي الوحيد" نور زهير.
4. لم تشر الحكومة ولا الجهات ذات العلاقة الى واقعة قيام المتهم نور زهير بشراء حقوق الشركات المترتبة بذمة الدولة إن صح ادعاؤه الأخير في لقائه المتلفز الذي تسربت منه مقاطع وأدلى بمضمونه محامين وخبراء قانونيون على الفضائيات اشار بعضهم انه على بينة بأوراق القضية.
5. وهذا ما يفسر الإرباك في تعامل رئاسة الحكومة مع القضية عندما:
- حاولت حصر القضية بنور زهير وحده إلا من بعض الموظفين ومن ثم اضطرت تحت تأثير المطالبات بتوسيع رقعة التحقيق ليشمل كل من سهل وتواطأ في السرقة من حكوميين وبرلمانيين لكن ذلك تركز على بطانة حكومة الكاظمي من الحكوميين دون غيرهم، مدير مكتبه ومستشاره ووزير ماليته.
- تم الحجز على الأموال المنقولة وغير المنقولة لبطل "سرقة القرن" ولكن تم لاحقاً رفع الحجز عنها وتم الإفراج عنه بكفالة وفق اتفاق بإعادة الأموال المسروقة خلال اسبوعين وفقاً لما جاء على لسان رئيس الوزراء السوداني ولكن لم يتم ذلك رغم مضي 20 شهر .
- صدر تبليغ من المحكمة المختصة لحضور نور زهير وآخرين وحدد لذلك يوم 14/ 8/ 2024 لغرض محاكمتهم ولكن وفق المادة 331 من قانون العقوبات وسط استغراب المختصين بالقانون لأن المادة المذكورة تنطبق على موظفي الدولة في حين أن نور زهير لا تربطه صلة وظيفية مع أي من أجهزة الدولة ، ولم يحضر نور زهير الى المحكمة فتم تأجيل المحاكمة الى يوم 27 من شهر آب بعد إن كان اليوم المقرر لها 14 آب الجاري.
ليفاجئنا بطل سرقة القرن بقوله:
أن "سرقة الأموال الضريبية يجب أن تسمى كذبة الأموال الضريبية"، وإن الأموال التي كانت بحوزتي تعود لـ"صكوك ومعاملات مدققة من هيئة النزاهة، وهي ليست أموال دولة"، مشدداً بالقول: "ولا دينار واحد يعود للدولة، وان ما قام به هو شراء ديون مستحقة للشركات بذمة الدولة على هيئة أمانات بأقل من حقيقتها ليقوم بسحب تلك المبالغ نيابة عن الشركات بموجب وكالات رسمية فيسدد للشركات إن لم يكن قد سدد لها مقدما ويحتفظ بالفرق بين ما صرفته له الدولة نيابة عن الشركات وبين ما دفعه أو يدفعه للشركات...هذا كل ما في الأمر...!
وهذا ما يجعلنا أمام تصور آخر لمجريات القضية وهو الآتي:
1. الحكومة تحتفظ بمبالغ مالية للشركات التي تتعامل معها لضمان حسن التنفيذ وهذه المبالغ تودع تحت بند الأمانات الضريبية في وزارة المالية.
2. ومن جراء المخالفات أو عيوب في التنفيذ يتم مصادرة كل او بعض مبالغ الأمانات من قبل الحكومة، ولا يعود للشركات الحق في المطالبة ببعضها أو كلها.
3. الشركات أو الجهات التي تعاملت مع الحكومة وأودعت تأمينات لديها اذا كان موقفها سليم من ناحية حسن التنفيذ فإن تلك الأمانات تسجل ديون لصالحها بذمة الحكومة لها الحق في استردادها ولكن ضمن مدة 5 سنوات فقط بعدها تكون أموال عائدة للحكومة.
4. الأمانات المشار اليها في 3 أعلاه والمقيدة لصالح الشركات ولم تراجع لسحبها رغم مرور 5 سنوات تقيد ايراد للدولة.
وإذن ادعاء نور زهير يصح فقط أذا كان ميدان فعله ينحصر في ما جاء في الفقرة 3 أعلاه فقط دون غيرها ولا يطال ما ورد في الفقرة 2 أو الفقرة 4 يعني فقط الأمانات المستحقة للشركات التي نفذت التزاماتها مع الحكومة دون مخالفات أو نواقص ولا تشمل تلك التي فيها مخالفات أو أن تلك المخالفات لم تحسم بعد وهي امانات الفقرة 2 ، ولا تلك التي باتت لا تستحقها الشركات والجهات لمضي المدة القانونية عليها دون أن تسحبها وبالتالي باتت ايراد للدولة ...
وبشروط: أن يكون نور زهير قد قدم لوزارة المالية وكالات رسمية معتبره صادرة من تلك الشركات تفوضه باستلامها نيابة عنها مشفوعة بعقود شراء ديون موقعة من قبل الطرفين: الشركة صاحبة الأمانات ونور زهير ... هنا يصدق ادعاء نور زهير ...
ولكن من يضمن لي: ان وزارة المالية لم تتواطأ مع نور زهير فتدفع الى هيئة النزاهة والجهات القضائية المعاملات السليمة فقط والتي لا غبار عليها، في حين لم تقدم سواها...؟
الأمر الذي يتطلب من وزارة المالية تقديم كشف بكل الأمانات الضريبية التي جرى استرداد مبالغها من قبل زهير وغير زهير مصنفة وفق 3 فئات:
1. أمانات لا زالت أعمال والتزامات الشركات والجهات التي تعود لها في مرحلة الفحص والتأكد من حسن التنفيذ.
2. أمانات انتهت مرحلة فحص الأعمال والالتزامات دون تسجيل ما يترتب عليه مصادرة مبالغها أو بعض منها وباتت استحقاقاً وجب رده للشركات والجهات ذات العلاقة.
3. أمانات مستحقة للشركات والجهات ولكن سقط حق المطالبة فيها وباتت إيراد للدولة .
وأن تدفع تلك الكشوفات وما يتعلق بها من وثائق الى ديوان الرقابة المالية للتأكد من أن المبالغ المصروفة لنور زهير وغيره تتعلق حصراً بما ورد في 2 أعلاه.
وعلى نور زهير وغيره أن يقدم ما يثبت شرائه تلك المستحقات وصحة الوكالات الرسمية التي تفوضه بسحبها نيابة عن الشركات وأن يقدم اخلاء طرف أصولي وقانوني من تلك الشركات موجه الى وزارة الماليه بقبضها مستحقاتها والتعهد بعدم مطالبتها الحكومة مستقبلاً بها.
ولكن كل الدلائل تشير الى ان وزارة المالية ما زالت متواطئة وهي تدفع فقط المعاملات الأصولية لدعم نور زهير والمتواطئين معه بدليل مطالبة السيد رئيس هيئة النزاهة في مؤتمره الصحفي الأخير وزارة المالية بتحديد المبالغ مدار الفساد في الأمانات الضريبية وتحديده مدة لذلك امدها 15 يوم ... وأيضا من بين الدلائل على السعي لإخراج نور زهير من القضية مثل شعرة من العجين وفق المثل المصري هو ارتفاع مبلغ الفساد الى أكثر من 4.5 ترليون كما أعلن عن ذلك السيد رئيس هيئة النزاهة وليس كما تم الإعلان عنه سابقاً بأنه 3.7 ترليون بل وتذهب تقديرات أخرى الى انه 11 ترليون دينار...
في هذه الحالة الحكومة ووزارة ماليتها وجهاتها الأربع إن لم تقم بذلك فإن ليس نور زهير فقط بإمكانه أن يقول أن : "سرقة الأموال الضريبية يجب أن تسمى كذبة الأموال الضريبية"، بل من واجبنا جميعاً أن نسمي "سرقة القرن" بـ: نصبة القرن علينا جميعاً ، أطرافها الحكومة وكل من يتصل بها، وليس نور زهير وعصبته فقط .
وليس ذلك فقط وانما اذا خرج نور زهير منها مثل الشعرة من العجين فإن كل من تم توجيه تهمة له بالضلوع في هذه القضية بدءاً من هيثم الجبوري رئيس اللجنة المالية في مجلس النواب السابق ورائد جوحي مدير مكتب الكاظمي وزميله مستشار الكاظمي ووزير مالية الكاظمي ستتضعضع التهم الموجهة لهم ويتحولون الى أبطال ومصلحون إداريون كل الذي فعلوه هو الحث على تسهيل الإجراءات والحد من الروتين ...لا فساد ولا هلمجرا....
ولماذا الأحداث عندنا رشقات بدل المفرد ... قانون الأحوال الشخصية ، وزيادة رواتب اعضاء مجلس النواب وحواشيهم ، ونصبة القرن ، واربعينية الأمام الحسين والشعراء وايهم أشعر والنائب مصطفى السند وتهديده اعلامي أي تلك القضايا يراد منها تمرير بعض ...؟
أما عن الاعلام العراقي الذي انشغل كعادته بتصريح نور زهير حول مطالبة أحد النواب له ببيت يعود له في شارع الأميرات بالمنصور ورد النائب مصطفى سند على اعلامي ذكر اسمه ... ونسي "سرقة القرن" و "نصبة القرن"...!
* رئيس هيئة النزاهة في العراق (سابقاً).