الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
كيف يمكننا الاستفادة من تجارب الشعوب في مجال التعليم؟ (2)

التجربة الصينية

عرضت مؤخرا التجربة البريطانية في التعليم، والتي يتميز نظامها بتعليم الطلاب المهارات الأساسية والتركيز على التفكير النقدي وحل المشكلات والتعلم التعاوني والتقييم المستمر وخلق بيئة محفزة للعمل (1). في هذه الحلقة، التي تغيرعنوانها قليلا، سانتقل الى تجربة مختلفة تماما، وهي تجربة الصين، لاستعراض ايجابياتها وسلبياتها، وساتطرق باختصار الى عملية الاصلاح الجارية.

يمتاز النظام التعليمي الصيني بالعديد من الايجابيات، مثل التركيز على التفوق الاكاديمي والانضباط والهيكلية. ومع ذلك، يواجه ايضا تحديات مثل الضغط العالي على الطلاب والاعتماد على الحفظ والتلقين. هناك اتجاه نحو تحقيق توازن بين التفوق الاكاديمي وتطوير مهارات التفكير النقدي والابداعي لضمان نجاح الطلاب في المستقبل.

الايجابيات

يتميز النظام التعليمي الصيني بتركيزه الكبير على التفوق الأكاديمي، خاصة في المواد الأساسية مثل الرياضيات والعلوم واللغات، مما يساعد الطلاب على تحقيق نتائج ممتازة في المسابقات والاختبارات الدولية. يتصف هذا النظام بانضباطه وهيكليته الصارمة، مما يعزز مهارات إدارة الوقت والانضباط والتنظيم لدى الطلاب، وهي مهارات أساسية للنجاح الأكاديمي والمهني في المستقبل. ويتم إعطاء أهمية كبيرة للمواد الأساسية مثل العلوم والرياضيات واللغات، مما يوفر للطلاب أساسًا أكاديميا قويا يمكنهم البناء عليه في مسيرتهم الأكاديمية والمهنية. بالإضافة إلى ذلك، يولي النظام التعليمي الصيني أهمية كبيرة لتعليم مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة (STEM)، مما يساعد الطلاب على التأهل للعمل في مجالات ذات طلب عالٍ مثل التكنولوجيا والهندسة. تنجح الصين أيضا في خلق أبطال رياضيين من خلال برامج رياضية متخصصة منذ سن مبكرة، واستخدام التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي لتحسين الأداء، والتوازن بين التعليم والرياضة، والدعم الحكومي الكبير. هذه الاستراتيجيات المتكاملة تساعد في تحقيق نجاحات رياضية كبيرة رغم التركيز على التعليم الأكاديمي والضغط العالي على الطلاب.

السلبيات

النظام التعليمي الصيني معروف بضغطه العالي والمنافسة الشديدة بين الطلاب، مما يؤدي إلى مستويات عالية من التوتر والقلق، ويؤثر سلبا على الصحة النفسية للطلاب. أحد الانتقادات الرئيسية لهذا النظام هو اعتماده الكبير على الحفظ والتلقين بدلاً من تعزيز التفكير النقدي والإبداعي، مما يحد من قدرة الطلاب على التفكير بشكل مستقل وحل المشكلات بطرق مبتكرة. وبالرغم من أن الطلاب الصينيين يظهرون مهارات تفكير قوية في المرحلة الثانوية، إلا أنهم يفقدون هذا التفوق في المرحلة الجامعية بسبب نقص التحفيز والتحديات الأكاديمية في الجامعات. كما يركز النظام التعليمي الصيني بشكل كبير على الامتحانات، خاصة امتحان القبول الجامعي الوطني (gaokao)، مما يمكن أن يقتل الإبداع ويحد من تطوير مهارات أخرى غير أكاديمية. هذا التركيز يؤدي غالبا إلى حياة رتيبة "من المنزل إلى المدرسة إلى المنزل"، مع ساعات دراسية طويلة والعديد من الامتحانات لكل مادة، مما يترك القليل من الوقت للأنشطة اللامنهجية أو الهوايات.

التاثيرات السلبية للتعليم القائم على الامتحانات على طلاب المدارس في الصين

في دراسة لروبرت كيركباتريك ويويبينغ زانغ يشير فيه الباحثين الى الاثار الضارة لنظام التعليم القائم على الامتحانات في الصين على طلاب المدارس الثانوية. سلطت دراستهم الضوء على عدة قضايا رئيسية، منها:

- الاثار السلبية: يمكن ان يعيق النهج القائم على الامتحانات خيال الطلاب وابداعهم واحساسهم بالذات. هذه الصفات ضرورية للنجاح داخل وخارج الفصل الدراسي. يمكن ان يؤثر الضغط للتميز في الامتحانات ايضا سلبا على الصحة النفسية والاجتماعية للطلاب.

- تاثير الارتداد: يشير مفهوم "الارتداد" الى تاثير الاختبارات على التدريس والتعلم. يناقش المقال كيف يمكن ان يكون لهذا التاثير جوانب ايجابية او سلبية، اعتمادا على السياق. في حالة الصين، يكون تاثير الارتداد سلبي الى حد كبير، حيث يعيق تركيز نظام التعليم على الامتحانات التعلم والتطوير الاوسع.

- الحجج السياسية: يستكشف الكاتبان الحجج السياسية والافتراضات الكامنة وراء النهج القائم على الامتحانات. يقترحون ان الضغط المعتدل للتميز، الى جانب تقليل التركيز على الامتحانات ذات المخاطر العالية، يمكن ان يحفز الطلاب بشكل افضل ويحسن النجاح الاكاديمي والرفاهية النفسية.

خلصت الدراسة الى ان النهج الاكثر توازنا في التعليم، والذي يشمل تقليل التركيز على الامتحانات، يمكن ان يؤدي الى نتائج افضل للطلاب من حيث الاداء الاكاديمي والتطوير الشامل.

وفي هذا السياق، لابد من الاشارة الى حصول تغييرات كبيرة في اتجاه اصلاح نظام التعليم في الصين في السنوات الاخيرة، فقد اتخذت الحكومة الصينية خطوات جادة لاصلاح النظام التعليمي بهدف تحسين جودة التعليم وتقليل الضغط على الطلاب. ادناه بعض الاصلاحات الرئيسية:

- حظر الدروس الخصوصية: في حزيران 2021، حظرت الحكومة الصينية الانشطة التعليمية بعد المدرسة، مما ادى الى انهيار السوق للشركات التعليمية الخاصة. كان الهدف من هذا الحظر هو تقليل الضغط على الطلاب وتخفيف العبء المالي على الاسر.

- خطة تحديث التعليم 2035: تهدف هذه الخطة الى تحديث نظام التعليم في الصين بحلول عام 2035. تشمل الاهداف الرئيسية تحسين جودة التعليم في جميع المراحل، تحقيق حضور شامل في التعليم قبل المدرسي، وتوفير تعليم عالي الجودة ومتوازن في التعليم الالزامي (الصفوف 1-9)، وتحسين التعليم المهني والتقني.

- تحسين جودة المعلمين والبنية التحتية التعليمية: تشمل الاصلاحات تحسين جودة المعلمين وتطوير البنية التحتية التعليمية، بما في ذلك القوانين والسياسات واطار المؤهلات والتقييم.

- التعليم مدى الحياة: تروج الحكومة لفكرة التعليم مدى الحياة وتشجيع التعلم المستمر في جميع مراحل الحياة.

تسعى هذه الاصلاحات الى تحقيق توازن افضل بين التعليم الاكاديمي والنمو الشخصي للطلاب، وتقليل التركيز على الامتحانات ذات المخاطر العالية.

في الختام، يمكن القول ان التجارب التعليمية المختلفة، سواء في بريطانيا او الصين، تقدم رؤى قيمة حول كيفية تحسين نظم التعليم. بينما تركز بريطانيا على تطوير مهارات التفكير النقدي وحل المشكلات، تسعى الصين إلى تحقيق توازن بين مهارات الحفظ وتطوير مهارات التفكير النقدي. ان الاصلاحات الجارية في الصين تهدف إلى تقليل الضغط على الطلاب وتحسين جودة التعليم، مما يعكس التوجه نحو نهج اكثر توازنا وشمولية في التعليم.

(1) بماذا للعراق ان يستفيد من تجارب الشعوب في مجال التعليم؟ - التجربة البريطانية

http://al-nnas.com/ARTICLE/MAlRubey/4y01.htm

  كتب بتأريخ :  الثلاثاء 20-08-2024     عدد القراء :  1161       عدد التعليقات : 0