اثارت صرخة السيد رئيس هيئة النزاهة القاضي حيدر حنون في المؤتمر الصحفي الذي عقد في اربيل أمس الأول سحابة داكنة من ردود الفعل المستغربة والعاتبة والرافضة شملت كل أوساط الحكم في العراق والفضاء المحيط ، السلطة التنفيذية ممثلة بالسيد رئيس الجمهورية الذي "عبر اليوم الجمعة، عن رفضه لاستغلال الإعلام في التعاطي مع القضايا المطروحة أمام المحاكم، وذلك بعد يومين على ظهور رئيس هيئة النزاهة في مؤتمر صحفي غاضب، تحدث فيه عن معلومات خطيرة تخص تعرضه للضغط ومحاولة سجنه من قبل قاضي نزاهة الكرخ ،وقال رئيس الجمهورية حسب بيان لمكتبه الإعلامي تلقته وكالة نون الخبرية، "نجدد دعمنا لاستقلالية القضاء العراقي وندعو للالتزام بمقرراته وإجراءاته وتجنب استغلال الإعلام في التعاطي مع القضايا المطروحة أمام المحاكم صونا لمبدأ الفصل بين السلطات".
مروراً بالسيد رئيس الحكومة الذي قال مستشاره فادي الشمري في لقاء ...مع الإعلامية سحر عباس : "أن موقف الحكومة عمليا بالضد من المؤتمر الصحفي وهذه الطريقة طريقة مرفوضه."
في حين ذهب ابراهيم الصميدعي وهو مستشار آخر للسيد السوداني رئيس الحكومة الى ابعد من ذلك في حديثه مع الاعلامي عدنان الطائي عبر فضائية utv قائلاً: " لو كان المؤتمر بعلم السوداني، فأعتقد أنه لن يوافق على هذه الطريقة".
وأضاف: " كل رؤساء هيئة النزاهة إما أصبحوا مدانين أو هربوا وكلهم من أفضل الشخصيات الإدارية والقضائية، لكن تركيبة نظام هيئة النزاهة موضوعة تحت سلطة قاضي تحقيق، ويعامل قاضي كحنون كما الهيئة كلها، كضابط تحقيق، وعلى النظام السياسي مراجعة ذلك، أو عليهم نقل هيئة النزاهة إلى القضاء لتحاسب جهة واحدة ولكي يحافظ رؤساء هيئة النزاهة على كرامتهم."
لكن السيد المستشار المخضرم والقريب من رؤساء كل الحكومات فاته أن يدرك:
1. هيئة النزاهة هيئة دستورية مستقلة بموجب المادة 102 من الدستور وهي لا تعتبر جزء من السلطة التنفيذية ولا جزء من السلطة القضائية وأيضاً لا ترتبط بالبرلمان ولكن تخضع لرقابته وحده، وللمزيد أدناه جانب من القرار الصادر من المحكمة الاتحادية العليا
العدد: 228/ت/2006.
التاريخ: 9/10/2006.
يستفسر مجلس النواب ـ لجنة النزاهة بكتابه المرقم (م/ن/2/171) المؤرخ في23 /9/ 2006 من المحكمة الاتحادية العليا عن معنى الاستقلال الوارد في المادة (102) من الدستور فيما يخص هيئة النزاهة وعن معنى الرقابة الواردة في المادة المذكورة ، وما الاختلاف بين ما هو وارد في المادة (102) والمادة (103) من الدستور التي تذكر الهيئات المستقلة ماديا" وإداريا" ، وبمن ترتبط هيئة النزاهة .
واستنادا" إلى أحكام المادة (93/ثانيا") من الدستور وضعت المحكمة الاتحادية العليا الاستفسار موضع التدقيق والمداولة وتوصلت إلى ما يأتي :
أولاً ـ أن الاستقلال المقصود في المادة (102) من الدستور هو أن منتسبي الهيئة وكلاً حسب اختصاصه مستقلون في أداء مهامهم المنصوص عليها في قانون الهيئة لا سلطان عليهم في أداء هذه المهام لغير القانون ولا يجوز لأية جهة التدخل أو التأثير على أداء الهيئة لمهامها. إلا أن الهيئة تخضع لرقابة مجلس النواب في أداء هذه المهام فإذا ما حادت عنها أو تجاوزتها فأن مجلس النواب يملك لوحده محاسبتها ويتخذ الأجراء المناسب في ذلك بها ومعنى ذلك أن هذه الهيئة تدير نفسها بنفسها ووفقا لقانونها ".
قد يقول السيد الصميدعي ان المحكمة الاتحادية عادت فغيرت رأيها، فأقول له هذا جزء من محنة النزاهة في العراق وسأفصله لاحقاً.
2. أما عن قول الصميدعي مستشار رئيس الوزراء: "كل رؤساء هيئة النزاهة إما أصبحوا مدانين أو هربوا وكلهم من أفضل الشخصيات الإدارية والقضائية."
فهذا غير صحيح ويشكل إفتئات على ذوات محترمين وتعريض بسمعتهم ، فالذين توالوا على رئاسة هيئة النزاهة منذ تأسيسها هم كل من: السيد راضي الراضي، السيد موسى فرج ، السيد رحيم العكَيلي، السيد علاء جواد ، السيد حسن الياسري، السيد عزت توفيق ، السيد حيدر حنون...
السيد راضي الراضي نعم هرب الى أمريكا والسيد رحيم العكَيلي أثيرت ضده شكاوى تتعلق بالنشر من قبل مجلس القضاء الأعلى واعتقد انتهت، أما الآخرون فليس منهم مدان ولا هارب ومنهم المرحوم عزت توفيق الذي قضى بحادث مروري رحمه الله...! فكيف يزعم ذلك وهو رجل القانون والسياسة...؟
3. أما عن قول السيد المستشار بأن: "لكن تركيبة نظام هيئة النزاهة موضوعة تحت سلطة قاضي تحقيق، ويعامل قاضي كحنون كما الهيئة كلها، كضابط تحقيق." فقد فاته أن هيئة النزاهة كانت قائمة قبل صدور الدستور العراقي لعام 2005 ولضمان النص عليها في الدستور وضمان استمرارها وتلافيا لاحتمال تخلي الطبقة السياسية في العراق عن تلك الهيئات عند إعداد الدستور فقد جرى تثبيتها في الدستور مقدما وقبل صدوره من خلال النص على ذلك في قانون إدارة الدولة الذي سن كبديل للدستور لتغطية المرحلة الانتقالية لحين صدور الدستور فقد نصت المادة 49 فقره أ من قانون إدارة الدولة العراقية لعام 2004 على الآتي:
المادة التاسعة والأربعون: . (أ) ـ إن تأسيس الهيئات الوطنية مثل الهيئة الوطنية للنزاهة العامة والهيئة العليا لحل النزاعات الملكية العقارية والهيئة الوطنية العليا لاجتثاث البعث، يعد مصدقا عليه، كما يعد مصدقا على تأسيس الهيئات المشكلة بعد نفاذ هذا القانون ويستمر أعضاء هذه الهيئات الوطنية بعملهم بعد نفاذ هذا القانون مع مراعاة ما ورد في المادة 51. قانون تأسيس هيئة النزاهة.
4. أما عن قول المستشار الصميدعي بأن: "على النظام السياسي مراجعة ذلك، أو عليهم نقل هيئة النزاهة إلى القضاء لتحاسب جهة واحدة ولكي يحافظ رؤساء هيئة النزاهة على كرامتهم." فإني أقول للسيد المستشار العتيد انهم كلهم يريدون ذلك أقصد رؤساء الحكومات والساسة في العراق لأنها حقيقة كائن غريب في جسد النظام السياسي الحالي غريب عن ثقافته بالمرّه تلك الثقافة التي لا تقر بمحددات الحكم في العصر الحديث من قبيل: خضوع الحكام والساسة للمساءلة ،واختيار قادة ومسؤولين يتصفون بالنزاهة والكفاءة ، ومحاربة الفساد والإثراء غير المشروع على حساب الشعب ومقاومة هدر وتبديد أمواله ومقدراته ، إلا أن عقبة صغيرة تقف في طريقهم للتخلص من هيئة النزاهة وهي : إن ذلك يتطلب تعديل الدستور وما يستلزمه من استفتاء الشعب العراق وإلا لكانوا قد قاموا بإلغائها بعد سنتين من تأسيسها على أبعد تقدير ...
ثم يا أخي هل تعلم اننا نفخر بان العراق هو أول بلد في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا الذي تأسست فيه هيئة النزاهة وكل الدول العربية حذت حذوه وباتت فيها هيئات للنزاهة ومكافحة الفساد ، مع فارق بسيط وهو ان رؤساء هيئات النزاهة فيها لا يضطرون مثل حيدر حنون لأن يطلقوا صرخات الإستغاثة ...!
نعود لصرخة السيد رئيس هيئة النزاهة التي اطلقها في اربيل لتشق عنان السماء وتربك الوضع السياسي وتدفع بالأوساط السياسية والنيابية والاعلامية لشجبها والمطالبة برأس مطلقها باستثناء جهتين: الشعب العراقي الذي لم يقف احد على رأيه، وأنا وربما يشاطرني الرأي اشخاص لا يتجاوز عددهم عدد أصابع اليد الواحدة ...أتدري لماذا ...؟ بالنسبة للشعب لم يقف على رأيه أحد كما ذكرت، ولكن بالنسبة لي فقد وصفتها بالصرخة المدوية التي عبرت عن محنة النزاهة وهيئة النزاهة في العراق ، قلت ذلك لأني ببساطة ركزت على قضية مكافحة الفساد تحديداً ودون غيرها من الأمور الشخصية والجانبية لأنها مهمة اخلاقية مقدسة في العراق وفق كافة المعايير فالكل يصف الفساد في العراق بأنه أخطر من الارهاب والكل في العراق يعي بأن الفساد استنفذ أموال العراق وتسبب بقذف الشعب في أتون المحن المعاشية والبطالة وانعدام حقه في الخدمات والعلاج والتعليم والسكن ، ولم أشخصن الأمور ولم اختزل القضية بمجرد انفعال السيد حيدر حنون رئيس هيئة النزاهة الذي يتعلق بظروفه وشخصه ، ولم أرَّ في ذلك تعريضاً بالقضاء ولم أشارك الآخرين الضجيج بدواعي الغيرة على القضاء فغيرتي على القضاء لا تحتاج اثبات كأي مواطن عراقي يدرك المسؤولية ، لكني أيضاً لم اشارك الآخرين بالتبجح والقول: لأن القضاء يشكل المصد الأخير الذي يمنع انهيار الدولة أو النظام السياسي في العراق لأني أعرف المثل القديم الشائع في الريف قبل عصر طباخ الغاز يوم كانت امهاتنا تطبخ على الحطب فحين ذاك كان المثل الشعبي الدارج يقول: الجدر "القدر" يقف على 3 مناصب...! ولا تشفع له سلامة واحدة عامره من الثلاث مناصب له فإنه سينكفئ وتسيح العصيده ، وهؤلاء الذين يتشدقون بالحرص الزائف على القضاء باعتباره المصد الأخير الذي يمنع انهيار الدولة يقرون حكما ان السلطتين الأخريين أعني التنفيذية والتشريعية منهارتين وأنا لا أقول ذلك بل أجاهد مثل غيري أن تكون الـ 3 مناصب عامره وليس فقط واحده حتى يستقر الجدر وما ينچفي....
نعم كان على السيد رئيس هيئة النزاهة أن يستنفذ وسائله من خلال ممارسة التمييز ومقابلة السيد رئيس مجلس القضاء الأعلى ورئيس مجلس النواب ورئيس الحكومة ولكن لا معصوم في زماننا عن الخطأ أو الزلل لا قاضي ولا رئيس هيئة نزاهه ولا الحق او الباطل يعرف من خلال شخص فلان او فلان مهما علت منزلته الرسمية او الاجتماعية وإلا فأنا أذكر الجميع بقول الامام علي ع: "الحق لا يعرف بالرجال انما الرجال يعرفون بالحق اعرف الحق تعرف اهله قلوا ام كثروا ، واعرف الباطل تعرف اهله قلوا أم كثروا..." .
عبد المحسن السعدون عندما وجد الطريق لتقديم ما يتوجب عليه لبلده مسدود انتحر بطلقة من مسدسه، أفإن غضب حيدر حنون وأطلق تلك الصرخة وهو يرى نفسه أمام الله والشعب وأمام مبادئه وقيمه الأخلاقية المسؤول الرسمي الأول عن مكافحة الفساد في العراق دون أن يتحقق شيء ملموس رغم تفانيه ومعيته في ذلك ترون فيه شيطنته والدعوة لرجمه ...؟ أعزلوا كل مخالفاته إن وجدت وكل بواعثه إن كانت غير حقيقية وحققوا نتائج ملموسة في حربكم المزعومة على الفساد ، أما التحجج بالنظام السياسي فمن هو النظام السياسي غيركم انتم ...؟
التقويم من اجل العراق وديمومة النظام السياسي يتقدم على كل الجوانب الشخصية والفئوية وعمود الخيمة نخره الفساد ولم يبقى منه إلا رسم يعصف به الفاسدون من كل صوب ....
يتبع
* رئيس هيئة النزاهة في العراق (سابقاً).