الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
استغلوا \"خرطة السوكَ\" لا أباً لكم...

في عام 1959 وعلى أثر قرار حكومة الزعيم عبد الكريم قاسم بالخروج من كتلة الإسترليني وفك ارتباط الدينار العراقي بالباون البريطاني كان سعر الدينار العراقي هو: دينار عراقي واحد =2,8 دولار أمريكي.

وفي عام 1971 وكنتيجة مباشرة لضخامة تكاليف الحرب الأمريكية في فيتنام أصدر الرئيس الأمريكي نيكسون قراراً بإلغاء التحويل المباشر من الدولار الى الذهب بمعنى فك ارتباط الغطاء بالذهب للدولار فانخفضت قيمة الدولار عالمياً...

وبات الدينار العراقي الواحد = 3,3778 دولار أمريكي..

حتى ان المسافرين العراقيين كانوا يحصلون على 3.6 دولار مقابل كل دينار عراقي في اسواق عمّان ، يعني 1000 دينار عراقي بـ 3600 دولار أمريكي.

في عام 1991 بحكمة صدام وبحروب صدام وبقصور صدام انقلبت الآية رأساً على عقب فبات: الدولار الأمريكي = 3000 دينار عراقي.

وبوكتها كان متوسط راتب الموظف = 100 دينار عراقي شهرياً، وكل ما يؤكل أو يشرب أو يلبس أو يركب أو يبنى به غير متيسر ولا يمكنك شراءه الا مقيّماً بالدولار حتى الفجل والبصل والكراث ...وعندما تحاجج بائع الخضره لماذا يغير اسعاره بتغير سعر الدولار يقول لك: هبني اخذت منك لقاء بضاعتي دنانيراً فهل تراني اكتنز الدنانير أم اشتري بها السكر والشاي والرز والملابس الداخلية ، أليست كل هذه الأشياء مستوردة وتحسب عليَّ بأسعار الدولار...؟ فتلوي عنقك راشداً أو تدفع.

في أواخر عام 1997 حدث ما ليس بالحسبان...فقد وافقت الأمم المتحدة على تطبيق برنامج النفط مقابل الغذاء في العراق، وصبحنا وصبح الملك لله وبفعل عامل خارجي فتحنا عيوننا على نزول سعر صرف الدولار من 3000 دينار مقابل كل دولار الى 200 دينار مقابل الدولار الأمريكي يعني الورقة ذات المئة دولار امريكي عوضاً ان تشتريها البارحه بـ 300 ألف دينار أصبحت تشتريها بـ 20 ألف دينار فقط ، وبات الذي يحتكم على 100ألف دينار يحتكم على ثروة أما الذي عنده مليون فيباهي الأثرياء بثروته...! وأُطلق على ذلك وعلى نطاق واسع في الأوساط العراقية تسمية "خرّط السوكَ"، و "خرطة الدولار".

صباحاً... بكرت في زيارة أخي ابو سلام "رحمه الله" للتذاكر والتباحث في استثمار خرطة السوكَ لتأمين وضع معاشي أفضل لعوائلنا... وكان المرحوم أفهم مني بـ "السوكَ" فبادرني قائلا: اليوم سعر الفولكَا بالناصريه بخمسه وعشرين ، يقصد ان سعر سيارة الفولكَا التاكسي بـ 25 ألف دينار عراقي، وأضاف : يعني بـ100 ألف دينار تحصل على أربع فولكَات...! واذا نروح للعماره أرخص...

سألني كم تستطيع تدبيره من النقود ...؟ قلت حوالي 110 ألف دينار يعني أمس تعادل حوالي 30 دولار واليوم تعادل 550 دولار ، وأنت...؟ قال: حوالي 125 ألف ...استقر الرأي ان نشد الرحال الى اسواق بغداد توخياً لنظافة البضاعه...

عرجت على والدتي "رحمها الله" في احدى غرف منزله للسلام عليها والحصول على بركاتها لكني ما إن تجاذبت الحديث معها حتى تذكرت ان لها صديقات بعمرها لا معيل لهن والسبب إنهن ينتمين الى عشيرة علوية ترفض تزويج بناتها من العامه ، ولأنهن ممنوع عليهن من أهلهن دخول المدارس خلافاً للذكور من العشيرة الذين يسمحون لهم دخول المدارس فصار الأخوة موظفون وارتبطوا بزيجات من مستواهم في حين بقين تلكم المسكينات صديقات أمي بلا زواج حتى عجزّن ومات الأبوين فأضحين من دون معيل... فاقترحت على أمي أن نخصص واحدة من الفولكَات التي انوي شراءها لمعيشتهن نعطيها لسائق يتناصف الوارد بينه وبينهن فرفعت يدها أمي نيابة عنهن لي بالدعاء لي ومنحتني بركاتها...

بدأنا رحلتنا صوب بغداد وحططنا الرحال في ساحة بيروت لبيع وشراء السيارات...

أنا وجدت السيارات المطلوبة وعندما اعترض أخي قائلاً: تايراتها عتيكَه ، قلت: ولا يهمك نشتري لهن تايرات ابو الريحه من البياع، وتايرات ابو الريحه لمن يسأل هي تايرات عتيكَه يستخرجونها من مستنقعات منطقة كسره وعطش الآسنة وجراء ذلك فإن رائحتها منفره ومقززه فاسموه تاير ابو الريحه للترغيب، و"تاير ابو الريحه" هذا في أول لوفه بالسياره تخلع حلقته من ويل السياره وتستمر السياره تمشي على الحديد ، وفي هذه الحالة ينبغي ان تسير في خط مستقيم...ٍ

أما عن أخي المرحوم الحاج ابو سلام فوجدته يساوم على سياره داينا نص لوري يريدوها عليه بـ 100 ألف ، وعندما سألته لماذا الداينا...؟ قال: الهايشه عذبتني أحش حشيش من البساتين وأنقله بواسطة سيارات التاكسي... آخذ هذي الداينا حمل واحد يكفي الهايشه يومين...

ناقشنا الأمر واحتمالات مآلات الدولار واستقر رأينا على أن نؤجل عملية الشراء على أمل يخرط السوكَ أكثر ... وعدنا لا هو مشتري الداينا ولا أنا مشتري الفولكَات ولا العلويات صديقات أمي حصلن على فولكَا لإعانتهن في معيشتهن وراح بكره وأجا بكره واحنا ما تحركنا وعلّكَ السوكَ واشتعلت الأسعار من جديد وراحت علينا خرطة السوكَ...

الآن وحتى لقبل شهر من هذا التاريخ دولار أهل المحاصصه معلّكَ والهوا يلعب بباطهم واحد يكَول: ما ننطيها لولد الولد ويطالب بأخذ الجيش الى أدلب مباشرة ، والثاني يصيح أحسن اسلوب للدفاع هو الهجوم والثالث يصيح امريكا برّا برّا والرابع يوكَف بشارع الكراده داخل ويصيح للناس ان تطوعوا لحماية ضريح زينب عليها السلام حتى يخمط أشچم داينا يبيعهم بسوكَ ساحة بيروت لبيع وشراء السيارات المستعمله، ولا واحد بيهم صار ابن أوادم وكَال خل انسوي أشچم اصلاح نسد حلوكَ الناس بيهن...

وعلى حين غرّه انقلبت الأمور وخرط السوك وتوالت الغمزات على استحياء لبو محمد الجولاني وبدأوا يستعذبون اسم احمد الشرع بدلاً من الجولاني...!

ليش صار هذا الحچي وتغيرت اللهجه ...؟ ببساطه شديده لأن بلينكن أجا وراح بلينكن ، وحسان أجا وراح حسان والفضائيات لعبت بالسوك مو بإنصاف وصار حال فرسان المحاصصه مثل حال عصفور يلعب به طفل لا هو هاده ويخليه يطير ولا هو حابسه بقفص ويحميه... وباتت أغنية حسين نعمه: "بت بعد بالدلال جاهل يعت بيه، يبچي من أصيح عليه ، يعته من أخليه"... ترند الموسم

فيا شطار السياسة والكسب الشعبي اغتنموا خرطة السوكَ وصيحوا بأعلى أصواتكم: لا ... للمحاصصه، لا... للانتخابات المزوره ، لا ... للفساد ، لا ... لتسيد السلاح المنفلت، نعم نعم للدستور ، نعم نعم للمواطنه ، نعم نعم للسياده ، نعم نعم لسيادة القانون ، نعم نعم لدولة المؤسسات ...

وكل واحد منكم يؤاخي أخاً من الجمهور مثل تآخي الأوس والخزرج ...عسى ولعل تظفروا بشچم فولكَا، داينا... قبل ما يطمأن القوم وترد تعلّكَ الأسعار من جديد ويحتركَ السوكَ....

* رئيس هيئة النزاهة في العراق (سابقاً).

  كتب بتأريخ :  الأربعاء 18-12-2024     عدد القراء :  291       عدد التعليقات : 0