“يا إمام العدل يالمالك مثيـــل وسفه يحكمنا الحرامي والعميل”
أهم ما تسعى إليه المراجع الدينية في العالم هو توحيد منهجيتهم ورص صفوفهم وتوحيد كلمتهم، ومنع اي تسيب او خروج عن الأجماع. لربما نجد ذلك صحيحاً للأزهر والفاتيكان، إلا انه ليس مطلوباً، أو ممارساً على ارض الواقع بالنسبة للمرجعية الدينية في النجف الأشرف. فأولاً لا يوجد مرجع ديني واحد في النجف الأشرف يُقلده عموم الشيعة في العراق والعالم الإسلامي، وإن كان هناك المرجع الأعلى السيد علي السيستاني حفظه الله. فإضافة للسيستاني هناك المراجع العظام، السيد محمد سعيد الحكيم، والسيد بشيرحسين النجفي، والسيد محمد إسحاق الفياض، والسيد كاظم الحائري. إضافة لذلك هناك مراجع في كربلاء والكاظمين وقم إيران ولبنان. وللمرجع السيد محمد حسين فضل الله رحمه الله العديد من المُقلدين له من العراقيين في داخل العراق وخارجه، حتى بعد وفاته.
يُفترض ان يكون للجامع او المسجد، إمام يأِم بالمصلين في أوقات الصلاة الخمس. الأمر ليس كذلك في العتبة العلوية في خمسينيات وستينيات وسبعينيات القرن العشرين. فهناك عدة أئمة يأمون المصلين في آن واحد وفي نفس الموقع. أتذكر كان يأُم المصلين ما لا يقل عن ثلاث او أربعة أئمة، من بينهم السيد حسين الحمامي والسيد محسن الحكيم رحمهم الله وغيرهم. وعلى الرغم من أن الآذان للصلاة يبدأ من منارة الأمام وباستخدام المكبرات الصوتية، إلا إن كل إمام على ارض الصحن لديه مُكبر، ويسمى أيضا “منادي الإقامة” ويسمى دارجاً بـ”المكبرجي”. ووظيفة المكبرجي، وهم عادة أحداث لم يبلغوا سن الحلم بعد، أن يُكبروا لإقامة الصلاة، وأن يُكبروا في الركوع والقيام كي يسمعه المصلين خلف الأمام، لأن عددهم كبير ولم يستخدم الميكروفون في حينه. وكنت في حينما أستمع إلى تكرار “الله أكبر” و “سبحان ربي الأعلى” بأصوات متنوعة في آن واحد، أشعر بخشوع تام في تلك اللحظة من اللحظات الروحية بعيدة عن مجريات الحياة وتفاهاتها. فإذا ذهبت إلى صحن الأمام علي للصلاة، فإن بإمكانك أن تختار وراء من تصلي. فالمراجع العظام الذين ذكرناهم، كل منهم له مقلدين وهم اتباع وموآزرين، يصلون ورائهم. وكلما كثر عدد المقلدين والمصلين وراء المرجع، كلما ازدادت مكانته بين أقرانه من العلماء. حيث انه تبعاً لعقيدة المذهب الجعفري، يُفترض ان يكون لكل بالغ اوبالغة مُقلد يقلدهُ، ويسير على نهجه في شرح الأمور الفقهية والعبادية والممارسات اليومية، حتى من بينها متى يبدأ شهر رمضان ومتى يكون العيد.
كذلك فإن لكل مرجع مدرسة وطلاب ومكتب و”بيت مال”. بيت مال يستلم الخُمس والزكاة والتبرعات من المُقلدين، وينفقها كل عالمْ بما يرونه مناسباً لمدارس العلم ولمُنح دراسية لطلاب الحوزة، ولدور الأيتام وللفقراء والأرامل وللمعوزين. وكل من هؤلاء المراجع يعمل باستقلالية تامة عن الدولة وعن المراجع الأخرى.
إضافة للتعددية في المراجع الدينية هناك تعددية في المواكب الحسينية، التي تعمل أيضا باستقلالية تامة عن الدولة، وعن المواكب الأخرى وعن المراجع الدينية. والاستقلالية هنا تعني احترام الغير من الأشخاص والمؤسسات، ولا تعني الاستغناء عنها أو عدم اعتبارها أو تحديها. ولم يحتكر اي مرجع ديني حق ألاجتهاد والولاء لنفسه أو لمكتبه أو لرسالته. لذا فإنهم قدموا، وأظن أنهم مازالوا يقدمون نموذجاً حياً للتعايش السلمي والانفتاح الفكري والتعددي يجب أن يحتذى به.
إذن التعددية في ألاجتهاد والتقليد، وتعدد المراكز الدينية، وتقبل وجود أكثر من مرجع ديني في نفس الزمان ونفس المدينة ولنفس العقيدة الدينية، هو مشهد حضاري ونموذج يستحق أن يعمم على بقية الأنشطة سواء الدينية أو ألاجتماعية أو الافتصادية أو حتى السياسية. كذلك علينا أن لا ننسى بأن مدينة النجف الأشرف أعطتنا أنموذجات عدّة عبر التاريخ، حيث قدمت لنا أحياء النجف القديمة أول دستور عراقي يحكم العلاقات بين اطراف (المحلات الرئيسة) النجف ويسمى” دستور حي البراق في النجف” عام 1918 (راجع أسحاق النقاش، شيعة العراق، دار المدى، دمشق، ص:515-516). كذلك فإن الأنفتاح الفكري في مدينة النجف يتقبل حتى نشاطات وفعاليات سياسية للقوى العلمانية، دون إبعاد وتهميش، وها هو موكب شباب “هيئة ثوار النجف الأشرف” يدخل بهذه الردات الى مرقد الأمام علي (ع) بمناسبة أستشهاده هذا العام:
من أبو الفقره علي هذا المــدد ثابتة بتشرين إلك راية وعهد
ثورة ننصب موعزاء إحنه شعب الشهداء
وسيف إبن ملجم نحر شبانه
يا إمام العدل يالمالك مثيـــل وسفه يحكمنا الحرامي والعميل
ساحة الحبوبي تشهد والنجف لوحة من دمنا حبرها ما نشف
ثورة ضد الفاسدين يا نصير الثائرين
وسيف إبن ملجم نحر شبانه
محمد حسين النجفي
الرابع من أيار 2021
موقع محمد حسين النجفي
#النجف-الأشرف #الأمام-علي #أنتفاضة-تشرين