لميعة عباس عمارة، المولودة في بغداد عام 1929، عرفت بجرأتها في كتابة الشعر
"ذكرتك يا لميعة والدجى ثلج وأمطار"، مطلع قصيدة للشاعر العراقي الراحل، بدر شاكر السياب، يتغزل فيها بالشاعرة العراقية الكبيرة لميعة عباس عمارة التي توفيت، الجمعة، عن عمر ناهز 92 عاما.
تعد لميعة إحدى أهم الشاعرات العراقيات اللواتي لعبن دورا محوريا ضمن حركة الحداثة في الشعر العراقي والعربي عموما، إلى جانب شعراء من أمثال نازك الملائكة وبدر شاكر السياب، في خمسينيات القرن الماضي.
عرفت عمارة، المولودة في بغداد عام 1929، بجرأة في كتابة الشعر، جعلتها من أهم الشخصيات الشعرية النسوية، اللواتي كتبن عن المرأة والحب والغزل.
ولدت الشاعرة الراحلة لعائلة صابئية مندائية عريقة معروفة في منطقة الكريمات ببغداد. كان عمها صائغ الفضة المعروف، زهرون عمارة، وابن خالها الشاعر العراقي البارز الراحل عبد الرزاق عبد الواحد.
نالت لقبها نسبة إلى مكان ولادة والدها في مدينة العمارة جنوبي العراق، حيث بدأت كتابة الشعر مبكرا وهي في ربيعها الـ12، وكانت ترسل قصائدها إلى الشاعر اللبناني المهجري، إيليا أبو ماضي، الذي كان صديقا لوالدها.
نشرت أول قصيدة لها في أربعينيات القرن الماضي، وكانت حينها في الرابعة عشر من عمرها. وبمجرد أن قرأ إيليا أبو ماضي قصيدتها كتب قائلا "إن كان في العراق مثل هؤلاء الأطفال فعلى أية نهضة شعرية مقبل العراق".
من بين قصائدها الشهيرة "وحيدة على شواطئ الاطلسي":
من غرفتي أحكي عن الحب أنا
وعن هوى لم ألمسِ
كفيلسوف يصف الخمر التي لم يحتسِ.
يقول الكاتب العراقي عقيل عباس إن الشاعرة لميعة عباس عمارة عملت "انقلابا" هائلا في الشعر، لأنها ركزت على مفهوم الحرية وكانت صوتا للمرأة.
ويضيف عباس في حديث لموقع "الحرة": "عند المقارنة بين لميعة ونازك الملائكة، تعد الأخيرة هي الرائدة في مجال الشعر الحر، لكن في ما يتعلق بقضايا المرأة لميعة هي الأهم والأعمق شعريا".
من قصائدها المعروفة قصيدة "أنا عراقية"، تقول فيها إنها كتبتها عندما حاول أحد الشعراء مغازلتها في مهرجان شعري في العراق. هذا مطلع القصيدة:
"أتدخنين؟ لا. أتشربين؟ لا. أترقصين؟ لا. ما أنتِ جمع من الـ لا؟ فقالت أنا عراقية".
خلال مسيرتها الأدبية الطويلة، صدرت لها عدة مجموعات شعرية، أبرزها "الزاوية الخالية" و"عودة الربيع" و"أغاني عشتار" في السيتينيات، و"يسمونه الحب" عام 1972 و"لو أنبأني العراف" عام 1980.
لم تقتصر كتابات الراحلة لميعة عباس عمارة التي هاجرت من العراق فينهاية سبعينيات القرن الماضي واستقرت بولاية كاليفورنيا حتى مماتها، على الشعر الحر الفصيح، بل كانت لديها أيضا قصائد باللهجة العامية لاقت صدى واسعا في العراق لطرافتها وعمقها.
من بين هذه القصائد الشعبية قصيدة "يا حلو" وهذا مطلعها:
يا حلو يا موصه بالفاعل تكسره
وترفع المجرور والمنصوب ما تقبل غلط
اغلط بكيفك اتدلل
عودت سمعي على لحنك فقط
تمكنت لميعة عباس عمارة من كسر "النمطية المجتمعية" والتقاليد المتعلقة بصورة المرأة، كما يؤكد الكاتب عقيل عباس، ويضيف "كانت جريئة جدا في تناول المرأة كذات، لأنها تتحدث عن الرغبة والمشاعر في مجتمع ذكوري طغى حتى في الشعر".
مثلت عمارة "تحديا حقيقيا للثقافة الذكورية" في كتاباتها، وفقا لعباس.
يقال إن هناك علاقة حب نشأت بين لميعة وبدر شاكر السياب، وظهر ذلك جليا من خلال القصائد المتبادلة التي كتبها الشاعران بعضهما للآخر.
تميزت لميعة، التي كانت زميلة السياب في دار المعلمين العالية- كلية الآداب ببغداد، بالجمال والروح المرحة مما جعل الشاعر البصري يقع في حبها.
يؤكد عباس أن هذه العلاقة كانت موجودة وكان لها تأثير واضح على كتاباتهما.
من أشهر القصائد التي يعتقد أن السياب تغنى فيها بلميعة هي قصيدة يقول فيها: "أحبيني لأن جميع من أحببت قبلك ما أحبوني".
في المقابل، تؤكد الشاعرة في إحدى مقابلاتها الصحفية أنها بالفعل أحبت السياب، وأنها كتبت له شعرا، وتأثرت كثيرا بصداقته التي لم تكن أكثر من علاقة بريئة ومحلقة ومبدعة".
نعاها الرئيس العراقي برهم صالح في تغريدة الجمعة قال فيها "نودع الشاعرة الكبيرة لميعة عباس عمارة، في منفاها، ونودع معها أكثر من خمسة عقود من صناعة الجمال".
وأضاف صالح أن "الراحلة زرعت ذاكرتنا قصائد وإبداع أدبي ومواقف وطنية، حيث شكلت عمارة علامة فارقة في الثقافة العراقية، في العامية والفصحى".
ووصف رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي رحيلها بـ"المؤلم" وقال إنها "تركت إسهاما لا ينسى في الثقافة العراقية ستذكره الأجيال المتعاقبة بفخر واعتزاز وتبجيل".
للمزيد اضغط هنا