الانتقال الى مكتبة الفيديو
 
حُبٌ بلا عِناق
الأربعاء 09-03-2022
 
محمد حسين النجفي

قصة حب حزينة ومؤلمة جداً لا زالت عالقة في مخيلتي منذ أيام طفولتي. إنها قصة جميل الذي أحب أبنة خالته جميلة. كانوا في مقتبل العمر، وكان جميل ما يزال في طور شق طريقه وبناء مستقبله، كي يُئهل نفسه للزواج. ولما كانت الحياة الاجتماعية في خمسينات القرن الماضي، مبنية على الزواج المبكر، قرر جميل ان يستعجل ويتقدم لخطبة ابنة خالته قبل ان يتقدم لها الآخرون، خاصة وان جميلة كانت اسماً على مُسمى، ومن عائلة محترمة جداً وذويها من تجار بغداد المعروفين. كانت عائلة جميلة، عائلة تقليدية تعتمد في قراراتها على حكمة الأخ الأكبر لهذه العائلة، الذي ارتأى ان جميل لا يصلح ان يكون زوجاً لأخته الوحيدة. فرفض طلبه وإن كان من أقربائه. كان قرار الأخ الأكبر يعتمد على بعض المُسببات الوجيهة كالتكافؤ المالي والتحصيل العلمي والمركز الاجتماعي، وربما وجود بعض المشاكسات والخلافات التي تعاني منها كل العوائل. إلا ان ذلك لا يمنع ان يُقابل ذلك توفر مُسببات أخرى تدعو للقبول، منها انه يحبها وهي تحبه، وانه شاب مستقيم، ومجتهد في عمله، وربما سيكون له مستقبل تفتخر به العائلة. المهم ظل هذا الموضوع مُعلقاً.

كانت عائلة جميلة وعائلتنا متقاربتان جداً، حيث كان اخاها الكبير على علاقة تجارية مع والدي تطورت الى علاقة صداقة عائلية في بداية حياته التجارية في بغداد. كانت جميلة تزور والدتي كثيراً، لأن بيت والدتي كان مضيفاً مفتوحاً للأقارب والجيران، وخاصة النساء اللواتي يتعرضن للتعسف والظلم الاجتماعيين. كان حديث جميلة مع أمي عن جميل ومظلوميتها وحيرتها، بين احترام قرار أخيها الأكبر وبين نداء الحب المتسلط على مشاعرها. كنت أرى وجه جميلة يفقد ببشاشته ونوره وآخذاً في الذبول تدريجياً. جميل شاب محترم لا يستطيع ان يتخطى الخطوط الحمراء التي أرسى أسسها المجتمع والتقاليد والعرف والدين. وبالتالي ظل الموضوع قيد الحفظ، وكلما يثار بين فترة وأخرى، يُسدل عليه الستار بسرعة.

مرت الأيام وإذا بالأخ الأكبر يتعرض لمرض عصي أدى في نهاية الأمر الى وفاته وهو في عز شبابه. كانت مأساة عائلية ومصاب جلل، لأنه كان الشخصية التي ترتكز عليه هذه العائلة الكبيرة من حيث الإدارة التربوية والمسؤولية المالية. جميل لم ينسى حبه الأبدي، جدد محاولته لخطبة جميلة من بقية الأخوة وبعد مضي وقت مناسب. كان الجواب هذه المرة: لقد قرر المرحوم، ولا نستطيع كسر قراره ورغبته بعد وفاته. كنت استمع الى هذه الأحاديث بين جميلة وأمي، وكنت أرى شحوب وجه جميلة وهي تتحدث عن ذلك، وأرى أمي كيف تتأسى عليها وتُطيب خاطرها دون ان توجهها لقرار معين. كانت تشاركها حزنها، وتعطف على مأساتها وعلى حرمانها من حقها في الاختيار دون ان تشجعها على الخروج عن طاعة عائلتها.

كان جميل الذي كان يعمل في سوق الشورجة مثلنا، شخصية محبوبة جداً، نظيف في سلوكه وهندامه. المرح والبشاشة في وجهه من طباعه الفطرية، إلا انها لم تستطيع ان تخفي تلك الغصة الأبدية في قلبه، والأسى من حرمانه لتكون حبيبته شريكة حياته. وأنا في عمر المراهقة كنت اتحسس مأساة جميل وجميلة اللذين يكبرانني بحدود العشرة أعوام. كنت حينما ارى اي منهما استذكر القصة برمتها، وكأنها قصة قيس وليلى او قصة روميو وجوليت. حاول جميل مرات ومرات ان يخطبها من إخوتها ابناء خالته، إلا انهم كانوا دائماً يردون عليه بنفس الجواب دون زيادة او نقصان، من أنهم لا يستطيعون ان يكسروا قرار المرحوم. لم يستطيعوا كسر قرار مضى عليه زمن، إلا انهم كسروا قلبين طيلة العمر كله.

ومرت على هذه القصة سنين طوال. ورغم أنى فارقتهم منذ أربعين عاماً، إلا انني لا زلت اتذكرهم كلما سمعت قصة حب مؤلمة. لا أدري ما حل بهما، هل تزوجا، أم انتهى حبهما كما بدأ عذرياً. وخوفي أنهما فارقا الحياة دون ان يجمعهما سقف واحد أو يذوقا طعم العناق.

 
   
 



اقـــرأ ايضـــاً
الكاردينال ساكو يرى خوفاً وتساؤلات بعد سوريا
زيارة الوفد العراقي للشرع في دمشق.. ماذا تعني؟
المحاصصة والفساد في العراق.. دعوات لحوار وطني وسط مخاطر تآكل الدولة
السوداني يلاحق مقدمة برامج قضائياً بسبب "رأيها"
لا حلول لـ"الشح".. العراق يلوح بـ"تدويل" أزمة المياه مع تركيا لزيادة حصصه
من أقدم كنائس العراق.. السوداني يؤكد وحدة وتنوع الشعب في قداس الميلاد
شجرة ميلاد كبيرة في العراق منذ 65 عاماً.. ماذا قال عنها رواد الفضاء؟ "صورة"
قرير "إسرائيلي" يصوب نحو الخريطة الجديدة: جاء دور العراق
كنائس أربيل تقيم صلاة القداس بمناسبة عيد ميلاد المسيح، والعراق عطلة رسمية
أمطار وتحذيرات من ضباب كثيف.. العراق على موعد مع كتلة باردة
نساء نازحات.. نجون من "داعش" فعُنفن في الخيام
أطراف في "الإطار" تحذر من تظاهرات وتحركات "البعث".. هل استنسخوا خطة الأسد؟
 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





للمزيد من اﻵراء الحرة