الانتقال الى مكتبة الفيديو
 
الجواهـــري.. ربع قرن على الرحيل
الخميس 28-07-2022
 
رواء الجصاني

-قبل خمسة وعشرين عاماُ، وفي صبيحة الأحد، السابع والعشرين من تموز عام الفٍ وتسعمئة وسبعة وتسعين، تحديداً، استنفرت وكالات أنباء ومراسلون وقنوات فضائية وغيرها من وسائل اعلام، لتبث خبراً هادراً، مؤسياً، هزّ مشاعر، ليس النخب الثقافية والسياسية فحسب، بل والألوف الألوف من الناس في شتى الارجاء:

«الجواهري يرحل إلى الخلود في احـد مشافي العاصمة السورية - دمشق، عن عمر يناهز المئة عام»..

وهكذا يطبق “الموت اللئيم” اذن على ذلك المتفرد الذي شغل القرن العشرين، على الأقل، ابداعاً ومواهب، ثم لتروح الأحاديث والكتابات تترى بعد الخبر المفجع، عن عظمة ومجد الراحل العظيم:

- المتميز بعبقريته التي يتهيّب أن يجادل حولها أحد..

- السياسي الذي لم ينتم لحزب، بل كان “حزباً” بذاته، يخوض المعارك شعراً وفكراً ومواقف رائدة...

- الرمز الوطني الذي أرخ للبلاد وأحداثها بأتراحها وأفراحها من داخل الحلبة، بل ووسطها، مقتحماً ومتباهياً:

أنا العراقُ لساني قلبه ودمي فراته وكياني منه اشطارُ

- وذلك الراحل الخالد، نفسه: حامل القلم الجريء والمتحدي الذي “لو يوهب الدنيا بأجمعها، ما باع عزاً بذل المترف البطر”.. ناشر صحف “الرأي العام” و”الجهـــاد” و”الثبات”.. ورفيقاتهن الأخريات...

- منوّرٌ متميزٌ من أجل الارتقــاء، صدح مؤمناً على مدى عقـود حياته المديدة:

لثورة الفكر تاريخٌ يحدثنا، بأن ألفَ مسيح دونها صلبا..

- صـاحب “يوم الشـهيد” و”آمنت بالحسين” و”قلبي لكردستان” و”الغضب الخلاق” و”الفداء

والدم”... شامخ، يطأ الطغاة بشسع نعل ٍ عازبا..

- والجواهـري ايضا وايضا: متمرد عنيد ظـلّ طـوال حياتـه باحثاً عن “وشـك معترك أو قرب

مشتجر”.. كيّ “يطعم النيران باللهب»!..

- مبدعٌ بلا حـدود في فرائـد “المقصورة” و”زوربـا” و”المعـري” و”سـجا البحـر”و”أفروديـت” و”أنيتـا” و”لغة الثياب” و”أيها الأرق” وأخواتهن الكثار... وهو قبل كل هذا وذاك “أحب الناس كل الناس، من أظلم كالفحمِ، ومن أشرقَ كالماسْ””. كما انه “الفتى الممراح فراج الكروب” الذي “لم يخل من البهجة دارا»..

- رائدٌ في حب وتقديس من “زُنَّ الحياة” فراح يصوغ الشعر “قلائداً لعقودهنَّ”... و”يقتبس من وليدهن نغم القصيد»..

- وديع كالحمامة، ومنتفض كالنسر، حين يستثيره “ميتونَ على ما استفرغوا جمدوا..»

- وهو لا غيره الذي قال ما قال، وما صلى “ لغير الشعر من وثـنِ “... فبات الشعراء يقيسون

قاماتهم على عمود قامته الشامخ...

- انه وباختصار: ذلك الطموح الوثاب الذي كان، ومنذ فتوته “يخشى أن يروح ولم يبقِ ذكرا”... فهل راحت قصائده - حقا - “ملؤ فم الزمان”!! وهل ثبتت مزاعمه بأن قصيــده “سيبقى ويفنى نيزك وشهاب” وهو القائل:

وها هو عنده فلكٌ يدوي..... وعندَ منعمٍ قصرٌ مشيدُ

يموتً الخالدونَ بكل فـج.. ويستعصي على الموت الخلود

ترى هل صدق بما زعم؟؟!!... التاريخ وحده من انبأنا، وينبئنا عن الامر،

ويا له من شاهد حق عزوفٍ عن الرياء!!

 
   
 

Guest / عربي الخميسي

محمد مهدي الجواهري الشاعر الكبير يجسد وحدة العراقيين

عربي الخميسي *

القسم الاول

كنت قد قرأت منذ مدة موضوعا شيقا على موقع الحوار المتمدن الموقر للكاتبه
الدكتوره ميسون البياتي تحت عنوان السياسيه والعلاقات الدوليه ، ومنه
استوحيت عنوان مقالتي المتواضعه هذه بعد اضافة اسم شاعر العرب الكبير
الجواهري ، ورب سائل يسأل يا ترى ما هي العلاقة بين الجواهري بهذا
الموضوع ؟ واليكم القصه وأبدأ بموجز مقالة الدكتورة ميسون

الدين عندما يوظف لأغراض سياسيه

فألمقالة باختصار شديد ، ذات طابع سياسيه تتعلق بالحقوق الانسانيه ،
يجسدها الفلم الوثائقي الاسترالي المسمى (باليبو) ، وباليبو هذا هو اسم
فلم مأخوذ عن اسم قرية اندنوسيه صغيرة واقعة في تيمور التابعه لأندنوسيا
، واندنوسيا هذا البلد الشاسع الواسع الواقع في جنوبي شرق اسيا ، مؤلف من
عدد كثير من الجزر المبعثره هنا وهناك في المحيط الهادي، وان تعداد سكانه
يبلغ حوالي 300 مليون نسمه الغالبية منهم يدينون بالدين الاسلامي .

وان موضوع الفلم كما تقول الكاتبه ، يكرس حالة القتال الشرسه التي دارت
ابتداء بين الاستراليين نيابة عن البريطانيين ضد جيوش الامريكان ، الذين
استخدموا هم بدورهم الاندنوسيين نيابة عنهم لطرد البريطانين منها ، كما
سبق لهم ان قاموا بطرد البرتغالين وقبلهم اليابانيين والهولنديين ، وهكذا
تجري الحروب الخفية وغير المعلنه بين الاقطاب ذات المصالح والاهداف
المتصارعه والمتقاطعه فيما بينها وبانابة غيرهم من الشعوب المسالمة
البرئيه !!

ففي سنة 1975 ولغرض تخليد ضحايا هذه الحرب الظروس والفضائح الانسانية
المرتكبه من جرائها ، وعن واقعة تعتبرها استراليا ، حدث اجرامي وواقعه
مؤلمة ومغيبه مذ ذلك التاريخ ، ولم تجر بحقها في حينه اية تحقيقات او
اجراءآت قضائيه مشروعه ، فقد ارسلت استراليا الى اندنوسيا زمرة من
الفنانين مؤلفه من خمسة اشخاص ، هم طاقم منتجي وممثلي فلم باليبو وكلهم
من المدنيين ومن العامليين بالتلفزيون الاسترالي ، الا ان جميعهم تعرضوا
الى المحاصرة ، ومن ثم اطلاق النار عليهم وقتلهم كلهم بدم بارد دون ذنب
ارتكبوه ، ومرة اخرى في اعقاب هذا الحادث ارسلت حكومة استراليا وبعد ثلاث
اشهر منه ، احد الفنانين المشهورين الى قرية باليبو مسرح الجريمه ،
لتسجيل تقرير مصور عن ملابسات قتلهم ، فجرى قتله هو الاخر ، بعد القاء
القبض عليه من قبل الاندنوسيين وكالعاده لم تحرك الحكومه الاندنوسيه
ساكنا لاجراء التحقيقات اللازمه ..!

وبعد 35 سنة قامت الحكومه الاستراليه بفتح ملف القضيه من جديد ، باعتبار
ان قضية مقتل اؤلئك الفنانين السته جريمة بحق الانسانية ، وتطالب الحكومه
الاندنوسيه باللقاء القبض على الفاعلين ومحاكمتهم ، والذين لا يزال بعضهم
على قيد الحياة ويشغل وظيفة ومنصبا عاليا في الدوله ، وفي القوات المسلحه
الاندنوسيه.·

وحيث ان فلم الوثائقي ( باليبو ) فلم يثير الجدل والاحتقان وسيشحذ عواطف
ذوي الضحايا .! ومعهم ستتعاطف الجماهير ليست المحليه فقط بل على نطاق
عالمي ! وعلى مستوى جميع منظمات حقوق الانسان الدوليه ، مما سيحط من سمعة
وقدر الدوله الاندنوسيه بكل تأكيد ، وهذا ما تخشاه وتحاول بشتى الوسائل
احتواء الازمة بينها وبين استراليا ، ومحاولة منها باقناع الاخيره بعدم
تحريك شكوى امام المحاكم الدوليه المختصه او اجازة عرض الفلم واعتبار
الجريمة عادية وليست جريمه ضد الانسانيه ، الا انها حتى الان لم تقدم
اعترافا او اعتذارا او سببا مقبول لذوي الشأن للحادث المأساوي المذكور
،..! وعليه قامت الحكومه الاندنوسيه بمحاولة بائسه وذلك بالاتصال بحكومة
نيوزيلانده هذاالبلد القريب من استراليا ، والتي ترتبط معه بروابط متينة
وعلاقات صميميه واشبه ما يكونا بلدا واحد بكل الاعتبارات ، وان كليهما
عضوان في منظمة الكومنولث ، ولهذا فهي اي اندنوسيا تضغط على نيوزيلانده
سياسيا واقتصاديا لكي تقوم بالتدخل لدى استراليا بشكل او باخر ، وبهذا قد
يمكن وعن طريقها احتواء القضيه ، او تخفف من حدية الموضوع وجديته ، وان
تقنع استراليا بعدم السماح بعرض فلم باليبو الذي ترعاه الاخيره وتصر على
عرضه .

ولما فشلت كل المحاولات لجر نيوزيلانده للتدخل ، وحيث لا توجد اسباب
مبرره لأندنوسيا للضغط على نيوزيلانده ، لذا فقد قامت الاولى بتوظيف
امورا اخرى لخدمة هدفها المذكور ..! وهنا الفت عناية القارئ الكريم لبيان
كيف وظفت اندنوسيا الامور الدينية لأغراض سياسيه ضيقه .. وهذا هو بيت
القصيد من موضوعي واليكم التفاصيل ......

دولة نيوزيلانده تعتمد اقتصاديا على ما تصدره من منتوجات حيوانيه بجميع
مشتقاتها ، وكذلك اللحوم الطازجه ،ودواجن واخشاب وبعض الفواكه ، وان
اندنوسيا هي الدوله الاولى في تسلسل الدول التي تستورد اللحوم من
نيوزيلانده ومنذ عشرات السنين ، وبكميات كبيره نسبة لعدد نفوسها وحاجتها
منه ، مما يوفر هذا ربحا كبيرا لنيوزيلانده سنويا يقدر بمئات الملايين من
الدولارات لا يمكن للحكومه النيوزيلنديه الاستغناء عنه خاصة ، وهي تحت
وطئة الازمه الاقتصاديه العالميه بالوقت الحاضر ، ومن هذا الباب جاءت
اندنوسيا لتضغط على الحكومه النيوزيلانديه وتبلغها بامر غاية بالاستغراب
، وهي حالة تعبر عن ضيق افق سياسي ، ولتبرهن ان السياسيه لا لون ولا طعم
لها ولا حتى اخلاق ، وان الغايه تبرر الوسيله .. جاءت اخيرا لتبلغ
نيوزيلانده وعلى لسان وزير خارجيتها ان اندنوسيا سوف تقاطع استيراد مادة
اللحم باعتباره لحم غير حلال ، بسبب طريقة ذبحه غير الاسلاميه حسب ادعاء
وزير خارجيتها مبررا ، ان ذلك جاء استجابة الى اعتراض مجلس علماء الدين
الاسلامي الاندنوسي ومعهم باقي رجال الدين في اندونسيا ، ولم يعد بعد
الان الاعتراف بالوثائق المعتمده المرفقه مع البضاعه المصدره ، وذلك
اعتبارا من الاول من شهر تشرين الاول الحالي ، حتى يعاد النظر بالموضوع
من كافة جوانبه ..!

واللافت للنظر ، ان اندنوسيا وعلى مدى عشرات السنين اعتادت استيراد اللحم
النيوزيلاندي، وخلال كل هذه المده الطويله لم تعترض يوما على نيوزيلانده
حول طريقة الذبح ، علما ان نيوزيلانده تملك مجزرة صحية حديثه للذبح ،
وتقوم بذبح الضأن على الطريقه الاسلاميه ، وكما هو معلن على صفحات موقعها
الاكتروني ، وبذات الوقت ان الامر ليس سريا ، حيث يمكن للزائر الاطلاع عن
كثب بما يجري، وكيف تتعامل نيوزيلانده مع توفير اللحم الحلال وفق متطلبات
الجاليه الاسلاميه في نيوزيلانده قبل البلدان الاخرى ...!

وهكذا جرى توظيف الامور الدينيه لأغراض سياسيه ، مما ذكرني بحادث ثان
تاريخي تعرض من جرآئه الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري للحبس ولأول مره
في حياته ، وقع ذلك خلال الحكم الملكي بالعراق وبسبب اللحم الحلال واللحم
الحرام ، حادث يدعو الى الضحك يشبه الى حد بعيد هذا الحادث كما ذكرنا
اعلاه ولكن بالعراق وليس بنيوزلانده ، سأتي عليه

القسم الثاني
الكاشير والطاريف وحبس الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري

في القسم الاول اعلاه تطرقنا الى مسالة توظيف الامور الدينيه بين الدول
لخدمة اهداف سياسه، وبهذه السطور ، ساتحدث عن واقعه وقعت بالعراق ايام
الحكم الملكي لها علاقه بذات المعنى ، واليكم تفاصيلها ولكن قبل الخوض
بأصل الموضوع ابين ما يلي :

من الاحكام الشرعيه لبعض الديانات مثل الدين الاسلامي واليهودي والصابئي
المندائي -وربما غيرها من ديانات لست متأكدا منها - هذه كلها تحرم على
مريديها اكل لحم الضأن غير المذبوح على الطريقة التي تفرضها هي وفق
شريعتها الدينيه ، وحديثنا هذا يخص اليهود تحديدا

وهكذا تلاحظ ايها المتلقي الكريم ، المبررات والخطوط العريضه التي اتى
بها الانقلاب المذكور ، والاهداف النبيله التي توخاها ، والتي خططت لها
الحركة الاصلاحية والحزب

وحين ادرك الاصلاحيون ان الحكومه المدنية لا تحكم ولا سلطان لها ، ولم
تنفذ ما عودت به ، واستهانت بحقوق الشعب ، ولم تكن سوى مجرد واجهة لحكم
دكتاتوري عسكري متجبر لا غير، لذا فلم يكن من البد من استقالة عناصرها من
الوزاره ،والانتقال الى صفوف المعارضه .

ومن الطبيعي ان الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري وهو من الاصلاحيين قد
غير رأيه بهذه الحكومه التي اعيد تشكيلها بعد استقالة الاصلاحيين منها ،
وبدأت جريدته جريدة الانقلاب تهاجمها ، وتنتقد ممارساتها التي تقوم بها
ضد الشعب ، خلافا لتعهداتها التي قطعتها على نفسها ، واخذ يوجه لها
انتقادات شديدة اللهجه واللاذعه احيانا ، مع التحفظ بعدم اعطاء الحكم
ذريعة قانونيه للنيل منه، مما اغاض هذا الامر السلطه والفريق الركن بكر
صدقي بالذات ، واخذت الجهات الحكومية تراقب الجريده وتترصد ما تكتبه على
صفحاتها من مواضيع واخبار ..!

ومن سؤ الصدف ، ان شبابا من فقراء اليهود في العراق ، قاموا في تلك
الايام بانتفاضه احتجاجا على الحاخام ساسون خضوري رئيس الطائفه اليهوديه
الموكله اليه مهمة تسعير اللحم الكاشير ( الحلال ) ، التي هي من ذبح رجال
الدين اليهودي كما اسلفنا ، وكانت اسعارها لا تناسب الاسعار الزهيده
لللحوم التي تباع بالاسواق العامه من ذبح القصابين المسلمين ، وقاموا
هؤلاء الشباب بتهديد الحاخام بانهم سيتناولونها نكاية به وباسعاره ،
ويعني هذا بالنسبه له تصرفا تخريبيا ،وحالة من التمرد داخل الطائفه غير
مسبقه ،يمكن اعتبارها خروجا غير مألوف على شرع الدين اليهودي ،

الا ان الجواهري ومن موقعه الوطني دفع بجريدته الانقلاب مساندة الانتفاضه
كمطاليب عادله للفقراء من اليهود ، وبذات الوقت محاولة النيل من السلطه
بشخص الحاخام ساسون احد العناصر المواليه لها ، وعلى اساس توفر مبدأ حرية
الرأي والنشر للصحافه كما جاء بمنهاج الوزاره .

واستمرت الجريده متابعة الانتفاضه ، ونشر تطوراتها يوما بعد يوم ، وهنا
استغلت الحكومة هذا الموقف من الجواهري وجريدته ، ووجدت ضالتها ، فقامت
بالاتصال بواحد من مواليها المخلصين الحاخام خضوري ساسون نفسه ، واشارت
عليه بتحريك شكوى التحريض ضد الجواهري...!

وحيث ان الجواهري حقيقة كان قد اعطى الدليل المادي للأتهام بحجة التحريض
، عندما ايد في جريدته فقراء اليهود في نضالهم ضد الاسعارالعاليه لللحوم
التي كانوا يشترونها من الجزارين اليهود المختصيين ، والتي لا تتناسب
ودخولهم الماليه ، وبموقف الحكومه المساند لرئيس الطائفه اليهوديه ،
وبتشجيع منها ، قام بتحريك الشكوى على الجواهري امام قاضي التحقيق ،
والذي بدوره احالها الى محكمة جزاء الرصافه لمحاكمته بتهمة التحريض
واثارة الرأي العام ..! وفق مواد قانون العقوبات البغدادي كما كان يسمى
آنذاك ..

وامام قاضي الجزاء عبد العزيز القصاب ، وفي اليوم المعين ، وقف الجواهري
في قفص الاتهام ، وبعد توجيه التهمة ، وسماع اقوال الجواهري وعدد من
محاميي الدفاع على رأسهم المحامي البارز حسين جميل ، اصدرت المحكمة حكمها
على الجواهري بالحبس البسيط لمدة شهرا واحدا مع اغلاق جريدته ( الانقلاب
) وذلك إستنادا الى قانون الصحافة الذي كان قد شُرٍع في بداية عهد
الاحتلال البريطاني للعراق .

الا ان الجواهري ( الوطني والثائر العنيد ) سخر من الحكم والمحكمة ومن
قاضيها ، باعتبار التهمه تهمه كيديه وتافهة ، مما حدى بالمحكمة وقاضيها
اعتبار ذلك اهانه بحق المحكمة، فقررت تبديل العقوبه وجعلها شهران باضافة
شهر اخر اليها ، وهكذا يكون قد خرج الجواهري من المحكمة الى السجن
المركزي في بغداد ، لقضاء مدة عقوبته الشهرين بدلا من شهر واحد وهكذا
ايضا يكون قد وظفت المسالة الدينيه لأغراض سياسيه للنيل من الخصم حقدا
وكيدا ..

واما عن ردة فعل الجواهري عن الحادث وتعليقه على التهمة والعقوبه وتأثير
ذلك عليه سيأتيكم لاحقا في القسم الثالث

القسم الثالث
الجواهري الانسان الانسان ... قصيدة لم تنته بعد ...!

تطرقنا في القسم الثاني اعلاه ما يفيد الموضوع الخاص حول المسالة
السياسيه الا اني وبصدد ذكرالشاعر الكبير الجواهري في مجرى الحديث وجب
علي التوقف عنده مطأطئ الراس محني القامه اجلالا واكراما لهذه النخلة
العراقيه الباسقه واذن لابد من بضع كلمات مضافة اليها القليل من كثير من
نصوص مختاره مما اورده عنه بعض المؤرخين والكتاب والشعراء والادباء
الافاضل

فقد تحدث عن هذه الشخصية السيد سليم طه التكريتي ، في كتاب نشره عام 1989
فقال : ((أن الجواهري كان قطعة من إحساس متوقد ، وثورة على كل شيء ، على
الحكم ، على المجتمع وعلى نفسه هو ، ولا يمكن أن يرضيه شيء ، ولا أن
يشبعه مال ، ولا أن يهدأه جاه . ولم يعرف عنه طيلة حياته أنه استقرّ على
وتيرة واحدة ، أو رضي بالنعمة المتوفرة ، أو ألف العيش الرتيب لفترة ما .
فهو جذوة من أعصاب متوترة ، وفكر جوّاب ، وروح هائم وراء المكانة، فهو فذ
في هذه الناحية ، أضافة إلى أنه أبرز الشعراء طراً وأغزرهم مادة ،
وأكثرهم أغراضاً ، وأنبتُهم قافية ، وأطولُهم نفساً ، وأعمقهم أدباً ،
وأشرقُهم بياناً وألصقُهم بالتراث ، وهذه أمور لا تتوفر في أي شاعر معاصر
من شعراء العربية ، لا سيما وأن معظم الشعراء المعاصرين يركضون وراء
الخفيف السهل من الإنتاج الشعري .

والجواهري شاعر من النسق الكارزماتي يشظي نفسه قنابل في وجه الظلم لا
يهادن ولايسالم واقرأ له هذا المقطع يصف الخونة من أبناء البلد الذين
كانوا خدما للاستعمار وأعوانا له : حيث قال ----

ولقد رأى المستعمرون فرائسا
منا وألفـوا كلب صــــيد سائبا
فتعهدوه فراح طوع بنانهــــم
يبرون أنيــابا لــــــــه ومخالبا
أعرفت مملكة يبـاح شهيدهـا
للخائنين الخادمــــــين أجانبـا ؟
مستأجرين يخربون ديارهم
ويكافأون على الخراب رواتبا

وكما نعى الشاعر على الحاكم بغيه ، نعى على الرعية استسلامها ، وخنوعها
،فقذفها بألسنة من نار ونخسها بمهماز من فولاذ ،علها تفيق من غفوتها
،وتقهر خوفها ومسكنتها وهو في ذلك متفق مع قول أبي العلاء:

أعاذل قد ظلمتنا الملـوك ونحن على ضعفنا أظلل

وذمه للشعب ، هو الذم البناء لا الهدام ، إنه الهجاء بغير حقد ، الصادر
عن حب وغيرة على الشرف و الوطن ، واقرأ له هذا المقطع يذم خنوع الشعب وهو
ذم شديد اللهجة ، قاسي النبرات :

أطبق دجى أطبـق ضـــباب
أطبق جهــامـا يا سحـــاب
أطبق دمار علــى حـمــــاة
دمـارهــم أطـــبق تــبـــاب
أطبـــق علــى متبلــديـــــن
شـكــا خمــولهـم الذبـــاب
لـم يعـرفوا لون السمـــــــاء
لفـرط ما انحنت الرقــاب
ولفـرط ما ديست رؤوسهم
كـــمـــــا ديــــس الـتراب
أطـبــــــق علـى المعزى
يراد بها على الجوع احتلاب
أطبق على هذي المســوخ
تعـاف عيشــــــتهـا الكــــلاب

وقد ردد الشاعر كلمة " أطبق" سبع مرات في هذا المقطع القصير ، وهو فعل
أمر غرضه التمني يوحي بيأس الشاعر من خمول الشعب وبلادته ، والألفاظ
شديدة اللهجة دالة على الغضب العارم ، والثورة الجارفة التي تضطرم في نفس
الشاعر .

إن الذي يعرف الجواهري ، ويعرف ما جبلت عليه نفسه من تعطش للحرية وإلى
العدالة ، وما لا قاه من وجع في المنافي ، وتضييق الحكام ، يستطيع أن
ينسب إليه شعره ، فلا يختلط بأشعارغيره ، فقد كان شعره نفثه من روحه
الناقمة ، و شواظا من لهيب نفسه ، أو كان كما يقال مرآة نفسه ، عكست ما
فيها من إباء وكرامة وشرف وكبرياء .

وهناك ميزة في شعره ظاهرة للعيان ، مسفرة للقارىء وهي روح السخرية ،
وكأنها البلسم الذي يبلسم جراحه ، والشهقة التي يجد فيها الراحة والعزاء
، وهو يستخدمها في شعره طريقة من طرق التعبير عن تبلد الجماهير ، ومهمازا
يستنهض به العزائم ويستثير به الهمم . وأكثر ما تتجلى هذه الميزة في
قصيدته " تنويمة الجياع " وهي مطولة تنعي إلينا بلادة الشعب وغفلة الرعية
، و لا أدل على ذلك من تكرار الفعل " نامي " في القصيدة حوالي أربعا
وخمسين مرة في قصيدة عدد أبياتها تسع وتسعون بيتا، ونكتفي منها بهذه
الأبيات حيث تتجلى روح السخرية المرة و التهكم اللاذع :

نامي جياع الشعب نامي
حـــرستك آلهة الطـعـــام
نــــامي على زبد الوعود
يـــداف في عسل الكــلام
نــــامي تصحي نعـم نوم
المرء في الكرب الجســام
نــــامي إلى يوم النشـــور
ويـــــــوم يؤذن بالقيـــــام
نـــامي على نغم البـعوض
كـــــأنه سجع الحمـــــــام
نـامي على البرص المبيض
من ســوادك والجـــــــذام
نـامي فحرز المؤمنين يذب
عــنك على الـــــــــــــدوام
نـــــــامي فنومك فتنـــــــة
إيــــــقاظها شر الأثـــــام
إن الـــــتيقظ لـــو علمــــت
طليعة الــــــــموت الزؤام
نامي! إليك تحيتي وعليـــ
ك نـــــــائمة ســــــــلامي !

وهي قصيدة كما أشرنا آنفا طويلة تتجلى فيها مرارة اليأس وروح التهكم
وطابع السخرية .

لقد آمن الجواهري أن الشعب مصدر القوة ومنبع الحصانة وجرثومة النماء ،
وأدرك أن جبروت الحاكم يستمد بقاءه من جبن الشعب ، ونهبه لخيراته من سكوت
الرعية ولامبالاتها واستهتاره ودعارته من بلادة الناس ، فصك الشاعر
الآذان بالكلمات القاسية، وزلزل القلوب الواجفة بالمعاني القارصة، وحرك
النفوس الغافلة بالتهكم البناء والذم الصادر عن حب وإخلاص أملا في حرية
غائبة، وعدالة أعز من الأبلق ، ومساواة موؤودة، ونهضة مؤجلة إلى يوم
النشور.( انتهى الاقتباس )

تعليق

الحقيقه التي لا يختلف عليها اثنان من مؤرخي تاريخ العراق الحديث ، ان
الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري رجل عصره واسطورة زمانه مع الفارق
لمفهومة الاسطوره التي تشير الى حالة ضعف اليقين ، اما الجواهري فهو اشبه
بكتاب مفتوح ، وعطاء دائم لقرن من الزمن تقريبا ، فما تركه من تراث ثر
ثمين من شعر بليغ ، ومحرر رفيع ، وقول وبيان ، ومن ممارسات سياسيه
وثقافيه واجتماعيه ، ومواقف رفض ذات توجه وطني حداثوي عن وعي وادراك ،
وقيمَ انسانيه عاليه، وتجارب نضاليه صلبه ، لسنوات الطويله من حصاد عمره
، تغني المؤلف في تأليفه ، والكاتب في كتاباته ، والشاعر في شعره ،
والباحث في بحثه ...! وخلاصة القول ان محمد مهدي الجواهري هو العراق هو
الشعب كله بعربه وكرده وباقي مكوناته وبمختلف عقائدهم .. في انتفاضاته
وكبواته ، في سكونه وثوراته ، وكما في انجازاته وفي استحقاقاته ، فمن
يروم دراسة تاريخ عراق القرن العشرين ، عليه ان يدرس الجواهري هذا الطود
الشامخ ، وسيبقى شامخا ما دام العراق حيا ابيا ، ومشروع قصيده لم تنتهِ
بعد !!

القسم الرابع
الجواهري من داخل سجنه

ونعود الى موضوعنا حول لحم الكاشير والطاريف ، وما جناه الجواهري من
موقفه المؤيد للمضربين من شباب اليهود ، ندرج ادنا مقولة احد مشاهير
الكتاب بهذا الصدد ، حيث

يذكر الكاتب العراقي سليم طه التكريتي ايضا ( ان الفائده الوحيده التي
جناها الجواهري في قضية الكاشير والطاريف ، كانت قصيدته في السجن ، والتي
نظمها وهو يمضي فترة محكوميته ، وتقع هذه القصيده في 31 بيتا .. ) كما
قال الجواهري في الصفحة33 من مذكراته حول قضية حبسه ، انها مجرد تهمة هي
اقرب الى السخرية منها الى الواقع ، مما اثارت هذه الحاله في نفسه
شاعريته ، واوحت له بقصيدة تشير الى الكاشير والطاريف والتي يقول بها :-

يا عابثا بسلامة الوطن العزيز وبالامان
ومفرقا زمر اليهود طوائفا كلأ لشأن
ما انت والكاشير والطاريف من بقر وضأن ؟
ان لم تفدك عقوبة فعسى تفيد عقوبتان

وفي قصيدة اخرى كتبها بعيدا عن السياسيه والشعر الجاد ، كتبها باحساس
إنساني مرهف، وحنين للاهل والاصدقاء والاحبه يقول فيها ...

يا ساكني ارض الرافدين انني
احبكم اني احن اليكم
أسامركم رغم الفراق وحكمه
لأني بحبكم عشيق متيم
نأيت عن الاحباب رغم ارادتي
ورغم ارادات لكم قد نايتم
اناجيكم والقلب عندي ممزق
واوجاعكم في اضلعي تتحكم
اناغيكم والطلم يطحن جمعكم
فأحس أهي والمدامع تسجم
ارى الشعب منساقا الى السلخ عنوة
يحار لمن يشكو لمن يتظلم
ويا سامعي في الرافدين بليلة
يؤرقني فيها يتيم وأيم
وليس لدي اليوم الا مقالة
وهل تنفع الاقوال والموت يحكم
وكل الذي عندي فدى لأحبتي
وليس الذي عندي سوى ما بنيتم


القسم الخامس
انا والجواهري الكبير

ومن بقايا خزين الذاكره اروي لكم متى واين رأيت هذا الشاعر العبقري
وكشاهد عيان للاحداث اقول : -

اني شخصيا كنت قد التقيت والشاعر محمد مهدي الجواهري لفترات قصيره ، ولكن
حضوري هذا كان عرضيا ، اذ لست انا بشاعر او اديب ، ولن ادعي صحبا
لمجالسه، ولكنني رايته للاول مرة عام 1948 عندما كنت مشاركا مع الجمهور
العراقي الثائر في مسيرة تشييع جنازة اخيه الشهيد جعفر الذي سقط ورفاقه
الشهداء الابرار غيلة وظلما برصاص شرطه السلطه الملكيه آنذاك ايام وثبة
الشعب العراقي في كانون الثاني عام 1948 ضد معاهدة برتسموث الجائرة والتي
كانت قيد التوقيع - بين العراق وبريطنيا العظمى وقد انضممت لمسيرة
المشيعين عند ساحة الوثبة التي كان اسمها ساحة الملك فيصل الثاني -
الواقعه في راس جسر الاحرار اي جسر مود سابقا - عند محلات حافظ القاضي -
حين قام الجواهري باعادة القاء قصيدته المشهورة بعد ان القاها عند جامع
الحيدرخانه - اتعلم ام لا تعلم ان جراح الضحايا فهم - وكانت الجماهير
مكتظه جدا الى درجة لا يمكن تصورها ولكي تشاهده تلك الحشود الهائجه فقد
اوتي بسلم - درج - خشبي من دائرة كهرباء العبخانه واتكاءه على جدار حائط
مبنى المصور ارشاك في مدخل الجسر وحينها صعد عليه وظهر للملئ والقى تلك
القصيده النارية والملهمة لعواطف الجماهير والمعبرة عن مشاعر السخط
والعداء للسلطه الحاكمة واعوانها والجهات الامنيه فيها ومن ثم تحرك النعش
وتحركت الجماهير خلفه نحو جانب الكرخ عابرة الجسر وكانت المسيرة منظمة
وعلى شكل مجاميع تضم مكونات الشعب العراقي باكملها ومنها من قدم بغداد من
الوية العراق الاخرى خصيصا للتشييع وكان فيها المسلم والمسيحي واليهودي
والصابئي المندائي العربي والكردي والكردي الفيلي والتركماني والايزيدي
والاشوري والسرياني والارمني وغيرهم الاف المؤلفه جميعها تهتف وتردد صيغة
الرده الموحدة التاليه : - للنجف للنجف نعشك يا جعفر للنجف .... ما نشف
ما نشف دمك يسيل وما نشف -- وعلى شكل كراديس او ما يسمى جوكات كل اثنتان
منها تشكلان مجموعه واحده.. الاولى تسير امام الثانيه وهي تردد المقطع
الاول من الرده - للنجف للنجف .. الخ والثانية تجاوبها بالمقطع الثاني ما
نشف ما نشف .. الخ مصحوبه بضرب الطبول ونفخ الابواق وقرقعة الزناجيل
والسيوف والدروع واواني النحاس والحديد والوسائل الاخرى

وما يلفت النظر غياب رجال الشرطه والعسكر وخلو الشارع من اللون الخاكي
على الاطلاق حتى وصول جثمان النعش محمولا الى ساحة المتحف العراقي عند
علاوي الحله ومنها نحو مدينة النجف ترافقه الكثير من سيارات الوفود التي
حضرت خصيصا لهذا الغرض

ومرة اخرى اروي هذا الحدث فبعد جريمة شباط الاسود عام 1963 ومن ايران –
الاهواز التي وصلت لها مختبأ كتبت الى الشاعر الجواهري عن فاجعة الشعب
العراقي بالانقلاب العار وعن جرائم البعث التي ارتكبت بحق المناضلين
الاشراف من شيوعيين وديمقراطيين وكشاهد عيان عندما علمت بترأسه لجنة
الدفاع عن المعتقليين من الشعب العراقي ومعه عدد من الشخصيات العراقيه
المعروفه وكان وقتذاك في براغ عاصمة جيكوسلوفاكيا ولها فروع في بعض
البلدان الاجنبيه وكان الفيلسوف برترنادرسل الشخصيه البريطانيه الشهيره
ممن تبنى هذه الحمله مع بعض الشخصيات العراقيه المتواجده في انكلترا
وعلمت فيما بعد ان رسالتي تلك كانت من الوثائق المهمه والمعتمده لدى
اللجنة المذكوره امام الرأي العام والجهات الرسميه باعتبارها شهاده
عيانيه توصف بشاعة الجرائم التي ارتكبتها فلول البعث المرتزقه الفاشيه
بحق الوطنين الاحرار
ومرة ثالثه شاءت الظروف ان التقي بالشاعر الكبير وبهذه المرة عن قرب ايام
مهرجانات المربد السنويه ، التي كانت تقام في البصره ويقوم بتنظيمها
اتحاد الادباء العراقي في بداية الثمانينات من القرن الماضي ، إذ كنت
مكلفا بالامور الاداريه ومسؤول عن راحة الجميع بتوفير المنام والطعام
لجميع المشاركين من الادباء العراقيين والعرب وعموم المدعويين لحضور
المهرجان ، خلال ليلتي ذهابهم وايابهم من والى بغداد بقطار السريع النازل
والصاعد للبصره ، حيث كنت ارافق الحضور بحكم الوظيفة التي كنت اشغلها
آنذاك كمدير لمديرية الفنادق والاعاشه احدى المديريات التابعه الى دائرة
سكك الحديد العامه والتي من مهامها الامور السياحيه ، مما اتاحت لي الفرص
التواجد في كابينة ( عربة ) مطعم القطار ، وهو المكان الملائم لتواجد
الشاعر وصحبه باقي الشعراء والادباء العراقيين والعرب والاجانب، وهم
يتناولون اطراف الاحاديث ويتبادلون الادوار ، حيث تبدا المطاردات الشعريه
بينهم بالقاء القصائد منذ لحظة حركة القطار مساء حتى الى ما بعد منتصف
الليل واحيانا عند بزوغ الضؤ الاول من النهار. وكان الجواهري النجم
الساطع ابوالكل ولولب الحوار والنقاش والنكة اللاذعه ايضا وكانت طبيعة
الشعر الملقى يعبر عن امور كثيرة سياسيه واجتماعيه وتراثيه ولا يخلو من
شعر الغزل والتحدي والمباراة والمقارعة احيانا واحلى ما في الطرح هو ان
يقوم احدهم بالقاء بيتا او بيتين من الشعر وعلى الاخرين الرد الارتجالي
دون الخروج عن اصل المضمون ملتزمنا بالقافيه لآخر مفردة من بيت الشعر
للشاعر المقابل وهكذا يتنافسون باسلوب جميل وبمستوى راق يليق بهم وعلى
درجة من الاحترام والتقدير لشخصية الشاعر من خلال عرض قدراتهم الشعريه
بسرعة البديهة للرد على الطرف المقابل ببيت او بيتين من شعر قاموا
بتنظيمه توا وعلى الفور .. وعندها تعلو الغبطه والانشراح وجوه الحاضرين
وتسعد الاوقات بالمحبة والاخوة والتقدير حتى تصفر صفارة قطارالسريع
اعلانا بالوصول الى محطة العشار /..! ايها الشعراء والادباء هيا انزلوا
هنا المربد

ويبقى الجواهري والراحلون الافذاذ بشواخص منجزاتهم .. وبضمير الانسان خالدون

عربي الخميسي
حقوقي وضابط ركن متقاعد


Guest عربي الخمبسي / استراليا

الكاشير والطاريف وحبس الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري
القسم الثاني

عربي الخميسي

في القسم الاول كنا قد تطرقنا الى مسالة توظيف الامور الدينيه بين الدول
لخدمة اهداف سياسه، وبهذه السطور ، ساتحدث عن واقعه وقعت بالعراق ايام
الحكم الملكي لها علاقه بذات المعنى ، واليكم تفاصيلها ولكن قبل الخوض
بأصل الموضوع ابين ما يلي :

من الاحكام الشرعيه لبعض الديانات مثل الدين الاسلامي واليهودي والصابئي
المندائي - وربما غيرها من ديانات لست متأكدا منها - هذه كلها تحرم على
مريديها اكل لحم الضأن غير المذبوح على الطريقة التي تفرضها هي وفق
شريعتها الدينيه ، وحديثنا هذا يخص اليهود تحديدا ..

فالكاشير عند اليهود يعني ، اللحم الحلال المذبوح من قبل الرابي او
الحاخام حصرا ، ويباع الى ابناء اليهود ، بعلم واشراف الحاخام نفسه
وبالسعر الذي يراه ويحدده ، والطاريف هو غير ذلك ، فهو لحم الضأن الذي
يذبح من قبل القصابين من غير اليهود ويباع من قبلهم في محلاتهم مباشرة او
في الاسواق العامه ... ، وحيث ان موضوعنا ذو علاقه بهذا اللحم ، ارتايت
ان اقدم هذه المقدمه للايضاح ..

ففي سنة 1936 من القرن الماضي ، قام اللواء الركن بكر صدقي قائد الفرقه
الثانية بانقلاب عسكري ، وتمكن من الزحف على بغداد واحتلالها ، واسقاط
وزارة ياسين الهاشمي الثانية بتأييد ( القوى الوطنية الاصلاحية او حزب
الاصلاح الشعبي ) والتعاون مع هذه القوى ، التي كانت تضم في صفوفها
شخصيات مدنية من العناصر الوطنية ذات التوجهات الديموقراطية والقومية
واليساريه ، من امثال جعفر ابو التمن ، وكامل الجادرجي ، ومحمد مهدي
الجواهري ، وحكمت سليمان ، ويوسف ابراهيم، وعبد القادرالبستاني ، وناجي
الاصيل ، ومحمد صالح قزاز ، وحسين جميل ، وصالح جبر وغيرهم ، وهؤلاء
استلم بعضهم حقائب وزاريه في الوزارة الاولى التي تشكلت برئاسة حكمت
سليمان بعد نجاح الانقلاب .. وبذات الوقت تولى بكر صدقي رئاسة اركان
الجيش بعد ان رقي الى رتبة فريق ركن ..! وان البرنامج الوزاري الذي اعلن
للشعب العراقي ، وما جاء بالبيان الاول للانقلاب ، الذي اذيع على مسامع
ابناء الشعب، كان يتضمن الكثير من الوعود والعهود وادرج ادناه نص البيان
ايها الشعب العراقي الكريم ،لقد صبرالجيش المؤلف من ابنائكم ، من الحاله
التي تعانون من جراء اهتمام الحكومه الحاضره بمصالحها وغاياتها الشخصيه ،
دون ان تكترث لمصالحكم ورفاهكم ، فطلبنا الى صاحب الجلاله الملك المعظم
إقالة الوزاره القائمه ،وتاليف وزاره من ابناء الشعب المخلصيين برئاسة
السيد ( حكمت سليمان ) الذي طالما لهجت البلاد بذكره الحسن ومواقفه
المشرفه ، وبما انه ليس لنا قصد في هذا الطلب ، إلا تحقيق رفاهكم وتعزيز
كيان بلادكم ..، فلا شك في انكم تعاضدون اخوانكم افراد الجيش ورؤسائه في
ذلك ، وتؤيدونه بكل ما أوتيتم من قوة ، وقوة الشعب هي القوة المعول عليها
في الملمات ..
وانتم ايها الموظفون ، لسنا الا اخوان وزملاء لكم في خدمة الدوله نصبوا
كلنا الى جعلها دولة ساهرة على مصلحة البلاد واهلها ،عاملة على خدمة
شعبكم قبل كل شيئ، فلا بد وانكم ستقومون بما يفرضه عليكم الواجب الذي من
اجله لجأنا الى تقديم طلبنا الى جلالة ملكنا المفدى لأنقاذ البلاد مما هو
فيه ،فتقاطعون الحكومه الجائره ، وتتركون دواوينها ، ريثما تؤلف الحكومه
التي ستفتخرون بخدمتها ، اذ ربما يضطر الجيش، وبكل اسف ،لأتخاذ تدابير
فعاله ،لايمكن خلالها اجتناب الاضرار بمن لا يلبي هذه الدعوة المخلصه
ماديا وادبيا . ... انتهى البيان الاول

وهكذا تلاحظ اخي القارئ الكريم ، المبررات والخطوط العريضه التي اتى بها
الانقلاب المذكور ، والاهداف النبيله التي توخاها ، والتي خططت لها
الحركة الاصلاحية والحزب
الاصلاحي الشعبي ، وعلى قمة هذه الاهداف ، التوجه بالبلاد نحو الحكم
الوطني الديموقراطي ، والقيام بالاصلاحات السياسيه والاجتماعيه
والاقتصاديه ، واعادة توزيع الثروه الوطنيه ، ورفع مستوى معيشة الفرد ،
وتوسيع الخدمات العامه، والاهتمام بالامورالصحيه ، وتوزيع الاراضي على
الفلاحين ، واطلاق كافة الحريات الديموقراطيه ،وضمان حقوق الانسان ،
وحرية التنظيم الحزبي والنقابي ، وحرية الرأي واصدار الصحف ، وحقوق
المراة ، وتحقيق العيش الكريم للفرد العراقي وكثير غيرها كانت قد تبنتها
الحكومه ولكنها بالنتيجة كانت حبر على ورق وشيئ من الديكور وهي لا تعدو
ان تكون ( شيئ جميل ومنمق من الكلام المعسول لدغدغة الاحاسيس والاماني
المغيبه لتطلعات واحلام الناس البسطاء والفقراء كما سنبين ادناه –

كل ذلك دفع بالشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري الى اصدار جريدة ، تدعم
الوزاره اعلاميا ، وتساند الحكم الجديد بقوه ، والتي اطلق عليها اسم (
جريدة الانقلاب ) تيمننا بالحركه الانقلابيه ، كما خرجت الجماهير الشعبيه
بالمظاهرات الحاشدة ، لدعم وتأييد الحكومة الجديده التي ستغير من واقعهم
المزري كما كانوا يعتقدون ...!

ولم تمض مدة طويله حتى تبين ، ان ما وعدت الحكومه به من اصلاحات مجرد
سحابة صيف ، وان الفريق الركن بكر صدقي كان هو الحاكم بامره ، وهو الذي
يأمر ليطاع ، بعد ان احكم سيطرته على مقدرات البلاد ، وقد استهوته شهوة
الحكم ، متجاوزا حلفائه الاصلاحيين ( القوى الاصلاحية اوحزب الاصلاح
الشعبي ) وقد جعل من نفسه ( آتاتورك العراق ) امتثالا بآتاتورك تركيا
حينذاك ..! فقد كانت اولى بواكير نشاطه العسكري وتحت غطاء النظام السياسي
المدني( الشكلي ) القائم ! ، تحريك الجيش العراقي لضرب انتفاضة ابناء
عشائر الظوالم ، والحجامه ، وبني حجيم في معركة شرسة غير متكافئه دارت
رحاها بين الطرفين في منطقة العارضيات شمال مدينة الرميثه ، وفي جنوبها
بمنطقة ادبيس ، سقط من جرائها عدد من القتلى والجرحى من كلا الجانبين ،
وذلك على اثر ابداء تلك العشائر معارضتها لقانون الخدمة الالزاميه ، الذي
كان قد صدرحديثا، ومطالبتها للحكومه ببعض الاصلاحات بالمنطقه، وبدلا من
السماع لرأيهم او حتى طرحه امام مجلس البرلمان للمناقشه كطلب مشروع ،
قامت الحكومه كما قلنا ، وبأمر رئيس اركان الجيش الفريق الركن بكر صدقي
استخدام القطعات العسكريه ضدهم ، وتم سحقهم دون رحمة ، مما ادى ذلك في
حينه الى خيبة امل والشعور بالاحباط في نفوس وزراء الاصلاحيين المشاركين
بالحكومه ، كما اثار حالة من التنديد والغضب من قبل كافة اوساط الشعب
العراقي ... !
وحين ادرك الاصلاحيون ان الحكومه المدنية لا تحكم ولا سلطان لها ، ولم
تنفذ ما عودت به ، واستهانت بحقوق الشعب ، ولم تكن سوى مجرد واجهة لحكم
دكتاتوري عسكري متجبر لا غير، لذا فلم يكن من البد من استقالة عناصرها من
الوزاره ،والانتقال الى صفوف المعارضه .

ومن الطبيعي ان الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري وهو من الاصلاحيين قد
غير رأيه بهذه الحكومه التي اعيد تشكيلها بعد استقالة الاصلاحيين منها ،
وبدأت جريدته جريدة الانقلاب تهاجمها ، وتنتقد ممارساتها التي تقوم بها
ضد الشعب ، خلافا لتعهداتها التي قطعتها على نفسها ، واخذ يوجه لها
انتقادات شديدة اللهجه واللاذعه احيانا ، مع التحفظ بعدم اعطاء الحكم
ذريعة قانونيه للنيل منه، مما اغاض هذا الامر السلطه والفريق الركن بكر
صدقي بالذات ، واخذت الجهات الحكومية تراقب الجريده وتترصد ما تكتبه على
صفحاتها من مواضيع واخبار ..!

ومن سؤ الصدف ، ان شبابا من فقراء اليهود في العراق ، قاموا في تلك
الايام بانتفاضه احتجاجا على الحاخام ساسون خضوري رئيس الطائفه اليهوديه
الموكله اليه مهمة تسعير اللحم الكاشير ( الحلال ) ، التي هي من ذبح رجال
الدين اليهودي كما اسلفنا ، وكانت اسعارها لا تناسب الاسعار الزهيده
لللحوم التي تباع بالاسواق العامه من ذبح القصابين المسلمين ، وقاموا
هؤلاء الشباب بتهديد الحاخام بانهم سيتناولونها نكاية به وباسعاره ،
ويعني هذا بالنسبه له تصرفا تخريبيا ،وحالة من التمرد داخل الطائفه غير
مسبقه ،يمكن اعتبارها خروجا غير مألوف على شرع الدين اليهودي ،
الا ان الجواهري ومن موقعه الوطني دفع بجريدته الانقلاب مساندة الانتفاضه
كمطاليب عادله للفقراء من اليهود ، وبذات الوقت محاولة النيل من السلطه
بشخص الحاخام ساسون احد العناصر المواليه لها ، وعلى اساس توفر مبدأ حرية
الرأي والنشر للصحافه كما جاء بمنهاج الوزاره .
واستمرت الجريده متابعة الانتفاضه ، ونشر تطوراتها يوما بعد يوم ، وهنا
استغلت الحكومة هذا الموقف من الجواهري وجريدته ، ووجدت ضالتها ، فقامت
بالاتصال بواحد من مواليها المخلصين الحاخام ساسون نفسه ، واشارت عليه
بتحريك شكوى التحريض ضد الجواهري ...!

وحيث ان الجواهري حقيقة كان قد اعطى الدليل المادي للأتهام بحجة التحريض
، عندما ايد في جريدته فقراء اليهود في نضالهم ضد الاسعارالعاليه لللحوم
التي كانوا يشترونها من الجزارين اليهود المختصيين ، والتي لا تتناسب
ودخولهم الماليه ، وبموقف الحكومه المساند لرئيس الطائفه اليهوديه ،
وبتشجيع منها ، قام بتحريك الشكوى على الجواهري امام قاضي التحقيق ،
والذي بدوره احالها الى محكمة جزاء الرصافه لمحاكمته بتهمة التحريض
واثارة الرأي العام ..! وفق مواد قانون العقوبات البغدادي كما كان يسمى
آنذاك ..

وامام قاضي الجزاء عبد العزيز القصاب ، وفي اليوم المعين ، وقف الجواهري
في قفص الاتهام ، وبعد توجيه التهمة ، وسماع اقوال الجواهري وعدد من
محاميي الدفاع على رأسهم المحامي البارز حسين جميل ، اصدرت المحكمة حكمها
على الجواهري بالحبس البسيط لمدة شهرا واحدا مع اغلاق جريدته ( الانقلاب
) وذلك إستنادا الى قانون الصحافة الذي كان قد شُرٍِِِع في بداية عهد
الاحتلال البريطاني للعراق .

الا ان الجواهري ( الوطني والثائر العنيد ) سخر من الحكم والمحكمة ومن
قاضيها ، باعتبار التهمه تهمه كيديه وتافهة ، مما حدى بالمحكمة وقاضيها
اعتبار ذلك اهانه بحق المحكمة، فقررت تبديل العقوبه وجعلها شهران باضافة
شهر اخر اليها ، وهكذا يكون قد خرج الجواهري من المحكمة الى السجن
المركزي في بغداد ، لقضاء مدة عقوبته الشهرين بدلا من شهر واحد وهكذا
ايضا يكون قد وظفت المسالة الدينيه لأغراض سياسيه للنيل من الخصم حقدا
وكيدا ..
واما عن ردة فعل الجواهري عن الحادث وتعليقه على التهمة والعقوبه وتأثير
ذلك عليه سيأتيكم لاحقا في القسم الثالث

عربي الخميسي
رد سريع - تم حفظ المسودة بتاريخ 17‏/9‏/2022
إلى:


---------- Forwarded message ----------
From: Araby Jawil
Date: Sat, 17 Sep 2022 10:37:00 +1000
Subject: الكاشير والطاريف وحبس الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري
To: tcharmaga@hotmail.com

الكاشير والطاريف وحبس الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري
القسم الثاني

عربي الخميسي

في القسم الاول كنا قد تطرقنا الى مسالة توظيف الامور الدينيه بين الدول
لخدمة اهداف سياسه، وبهذه السطور ، ساتحدث عن واقعه وقعت بالعراق ايام
الحكم الملكي لها علاقه بذات المعنى ، واليكم تفاصيلها ولكن قبل الخوض
بأصل الموضوع ابين ما يلي :

من الاحكام الشرعيه لبعض الديانات مثل الدين الاسلامي واليهودي والصابئي
المندائي - وربما غيرها من ديانات لست متأكدا منها - هذه كلها تحرم على
مريديها اكل لحم الضأن غير المذبوح على الطريقة التي تفرضها هي وفق
شريعتها الدينيه ، وحديثنا هذا يخص اليهود تحديدا ..

فالكاشير عند اليهود يعني ، اللحم الحلال المذبوح من قبل الرابي او
الحاخام حصرا ، ويباع الى ابناء اليهود ، بعلم واشراف الحاخام نفسه
وبالسعر الذي يراه ويحدده ، والطاريف هو غير ذلك ، فهو لحم الضأن الذي
يذبح من قبل القصابين من غير اليهود ويباع من قبلهم في محلاتهم مباشرة او
في الاسواق العامه ... ، وحيث ان موضوعنا ذو علاقه بهذا اللحم ، ارتايت
ان اقدم هذه المقدمه للايضاح ..

ففي سنة 1936 من القرن الماضي ، قام اللواء الركن بكر صدقي قائد الفرقه
الثانية بانقلاب عسكري ، وتمكن من الزحف على بغداد واحتلالها ، واسقاط
وزارة ياسين الهاشمي الثانية بتأييد ( القوى الوطنية الاصلاحية او حزب
الاصلاح الشعبي ) والتعاون مع هذه القوى ، التي كانت تضم في صفوفها
شخصيات مدنية من العناصر الوطنية ذات التوجهات الديموقراطية والقومية
واليساريه ، من امثال جعفر ابو التمن ، وكامل الجادرجي ، ومحمد مهدي
الجواهري ، وحكمت سليمان ، ويوسف ابراهيم، وعبد القادرالبستاني ، وناجي
الاصيل ، ومحمد صالح قزاز ، وحسين جميل ، وصالح جبر وغيرهم ، وهؤلاء
استلم بعضهم حقائب وزاريه في الوزارة الاولى التي تشكلت برئاسة حكمت
سليمان بعد نجاح الانقلاب .. وبذات الوقت تولى بكر صدقي رئاسة اركان
الجيش بعد ان رقي الى رتبة فريق ركن ..! وان البرنامج الوزاري الذي اعلن
للشعب العراقي ، وما جاء بالبيان الاول للانقلاب ، الذي اذيع على مسامع
ابناء الشعب، كان يتضمن الكثير من الوعود والعهود وادرج ادناه نص البيان
ايها الشعب العراقي الكريم ،لقد صبرالجيش المؤلف من ابنائكم ، من الحاله
التي تعانون من جراء اهتمام الحكومه الحاضره بمصالحها وغاياتها الشخصيه ،
دون ان تكترث لمصالحكم ورفاهكم ، فطلبنا الى صاحب الجلاله الملك المعظم
إقالة الوزاره القائمه ،وتاليف وزاره من ابناء الشعب المخلصيين برئاسة
السيد ( حكمت سليمان ) الذي طالما لهجت البلاد بذكره الحسن ومواقفه
المشرفه ، وبما انه ليس لنا قصد في هذا الطلب ، إلا تحقيق رفاهكم وتعزيز
كيان بلادكم ..، فلا شك في انكم تعاضدون اخوانكم افراد الجيش ورؤسائه في
ذلك ، وتؤيدونه بكل ما أوتيتم من قوة ، وقوة الشعب هي القوة المعول عليها
في الملمات ..
وانتم ايها الموظفون ، لسنا الا اخوان وزملاء لكم في خدمة الدوله نصبوا
كلنا الى جعلها دولة ساهرة على مصلحة البلاد واهلها ،عاملة على خدمة
شعبكم قبل كل شيئ، فلا بد وانكم ستقومون بما يفرضه عليكم الواجب الذي من
اجله لجأنا الى تقديم طلبنا الى جلالة ملكنا المفدى لأنقاذ البلاد مما هو
فيه ،فتقاطعون الحكومه الجائره ، وتتركون دواوينها ، ريثما تؤلف الحكومه
التي ستفتخرون بخدمتها ، اذ ربما يضطر الجيش، وبكل اسف ،لأتخاذ تدابير
فعاله ،لايمكن خلالها اجتناب الاضرار بمن لا يلبي هذه الدعوة المخلصه
ماديا وادبيا . ... انتهى البيان الاول

وهكذا تلاحظ اخي القارئ الكريم ، المبررات والخطوط العريضه التي اتى بها
الانقلاب المذكور ، والاهداف النبيله التي توخاها ، والتي خططت لها
الحركة الاصلاحية والحزب
الاصلاحي الشعبي ، وعلى قمة هذه الاهداف ، التوجه بالبلاد نحو الحكم
الوطني الديموقراطي ، والقيام بالاصلاحات السياسيه والاجتماعيه
والاقتصاديه ، واعادة توزيع الثروه الوطنيه ، ورفع مستوى معيشة الفرد ،
وتوسيع الخدمات العامه، والاهتمام بالامورالصحيه ، وتوزيع الاراضي على
الفلاحين ، واطلاق كافة الحريات الديموقراطيه ،وضمان حقوق الانسان ،
وحرية التنظيم الحزبي والنقابي ، وحرية الرأي واصدار الصحف ، وحقوق
المراة ، وتحقيق العيش الكريم للفرد العراقي وكثير غيرها كانت قد تبنتها
الحكومه ولكنها بالنتيجة كانت حبر على ورق وشيئ من الديكور وهي لا تعدو
ان تكون ( شيئ جميل ومنمق من الكلام المعسول لدغدغة الاحاسيس والاماني
المغيبه لتطلعات واحلام الناس البسطاء والفقراء كما سنبين ادناه –

كل ذلك دفع بالشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري الى اصدار جريدة ، تدعم
الوزاره اعلاميا ، وتساند الحكم الجديد بقوه ، والتي اطلق عليها اسم (
جريدة الانقلاب ) تيمننا بالحركه الانقلابيه ، كما خرجت الجماهير الشعبيه
بالمظاهرات الحاشدة ، لدعم وتأييد الحكومة الجديده التي ستغير من واقعهم
المزري كما كانوا يعتقدون ...!

ولم تمض مدة طويله حتى تبين ، ان ما وعدت الحكومه به من اصلاحات مجرد
سحابة صيف ، وان الفريق الركن بكر صدقي كان هو الحاكم بامره ، وهو الذي
يأمر ليطاع ، بعد ان احكم سيطرته على مقدرات البلاد ، وقد استهوته شهوة
الحكم ، متجاوزا حلفائه الاصلاحيين ( القوى الاصلاحية اوحزب الاصلاح
الشعبي ) وقد جعل من نفسه ( آتاتورك العراق ) امتثالا بآتاتورك تركيا
حينذاك ..! فقد كانت اولى بواكير نشاطه العسكري وتحت غطاء النظام السياسي
المدني( الشكلي ) القائم ! ، تحريك الجيش العراقي لضرب انتفاضة ابناء
عشائر الظوالم ، والحجامه ، وبني حجيم في معركة شرسة غير متكافئه دارت
رحاها بين الطرفين في منطقة العارضيات شمال مدينة الرميثه ، وفي جنوبها
بمنطقة ادبيس ، سقط من جرائها عدد من القتلى والجرحى من كلا الجانبين ،
وذلك على اثر ابداء تلك العشائر معارضتها لقانون الخدمة الالزاميه ، الذي
كان قد صدرحديثا، ومطالبتها للحكومه ببعض الاصلاحات بالمنطقه، وبدلا من
السماع لرأيهم او حتى طرحه امام مجلس البرلمان للمناقشه كطلب مشروع ،
قامت الحكومه كما قلنا ، وبأمر رئيس اركان الجيش الفريق الركن بكر صدقي
استخدام القطعات العسكريه ضدهم ، وتم سحقهم دون رحمة ، مما ادى ذلك في
حينه الى خيبة امل والشعور بالاحباط في نفوس وزراء الاصلاحيين المشاركين
بالحكومه ، كما اثار حالة من التنديد والغضب من قبل كافة اوساط الشعب
العراقي ... !
وحين ادرك الاصلاحيون ان الحكومه المدنية لا تحكم ولا سلطان لها ، ولم
تنفذ ما عودت به ، واستهانت بحقوق الشعب ، ولم تكن سوى مجرد واجهة لحكم
دكتاتوري عسكري متجبر لا غير، لذا فلم يكن من البد من استقالة عناصرها من
الوزاره ،والانتقال الى صفوف المعارضه .

ومن الطبيعي ان الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري وهو من الاصلاحيين قد
غير رأيه بهذه الحكومه التي اعيد تشكيلها بعد استقالة الاصلاحيين منها ،
وبدأت جريدته جريدة الانقلاب تهاجمها ، وتنتقد ممارساتها التي تقوم بها
ضد الشعب ، خلافا لتعهداتها التي قطعتها على نفسها ، واخذ يوجه لها
انتقادات شديدة اللهجه واللاذعه احيانا ، مع التحفظ بعدم اعطاء الحكم
ذريعة قانونيه للنيل منه، مما اغاض هذا الامر السلطه والفريق الركن بكر
صدقي بالذات ، واخذت الجهات الحكومية تراقب الجريده وتترصد ما تكتبه على
صفحاتها من مواضيع واخبار ..!

ومن سؤ الصدف ، ان شبابا من فقراء اليهود في العراق ، قاموا في تلك
الايام بانتفاضه احتجاجا على الحاخام ساسون خضوري رئيس الطائفه اليهوديه
الموكله اليه مهمة تسعير اللحم الكاشير ( الحلال ) ، التي هي من ذبح رجال
الدين اليهودي كما اسلفنا ، وكانت اسعارها لا تناسب الاسعار الزهيده
لللحوم التي تباع بالاسواق العامه من ذبح القصابين المسلمين ، وقاموا
هؤلاء الشباب بتهديد الحاخام بانهم سيتناولونها نكاية به وباسعاره ،
ويعني هذا بالنسبه له تصرفا تخريبيا ،وحالة من التمرد داخل الطائفه غير
مسبقه ،يمكن اعتبارها خروجا غير مألوف على شرع الدين اليهودي ،
الا ان الجواهري ومن موقعه الوطني دفع بجريدته الانقلاب مساندة الانتفاضه
كمطاليب عادله للفقراء من اليهود ، وبذات الوقت محاولة النيل من السلطه
بشخص الحاخام ساسون احد العناصر المواليه لها ، وعلى اساس توفر مبدأ حرية
الرأي والنشر للصحافه كما جاء بمنهاج الوزاره .
واستمرت الجريده متابعة الانتفاضه ، ونشر تطوراتها يوما بعد يوم ، وهنا
استغلت الحكومة هذا الموقف من الجواهري وجريدته ، ووجدت ضالتها ، فقامت
بالاتصال بواحد من مواليها المخلصين الحاخام ساسون نفسه ، واشارت عليه
بتحريك شكوى التحريض ضد الجواهري ...!

وحيث ان الجواهري حقيقة كان قد اعطى الدليل المادي للأتهام بحجة التحريض
، عندما ايد في جريدته فقراء اليهود في نضالهم ضد الاسعارالعاليه لللحوم
التي كانوا يشترونها من الجزارين اليهود المختصيين ، والتي لا تتناسب
ودخولهم الماليه ، وبموقف الحكومه المساند لرئيس الطائفه اليهوديه ،
وبتشجيع منها ، قام بتحريك الشكوى على الجواهري امام قاضي التحقيق ،
والذي بدوره احالها الى محكمة جزاء الرصافه لمحاكمته بتهمة التحريض
واثارة الرأي العام ..! وفق مواد قانون العقوبات البغدادي كما كان يسمى
آنذاك ..

وامام قاضي الجزاء عبد العزيز القصاب ، وفي اليوم المعين ، وقف الجواهري
في قفص الاتهام ، وبعد توجيه التهمة ، وسماع اقوال الجواهري وعدد من
محاميي الدفاع على رأسهم المحامي البارز حسين جميل ، اصدرت المحكمة حكمها
على الجواهري بالحبس البسيط لمدة شهرا واحدا مع اغلاق جريدته ( الانقلاب
) وذلك إستنادا الى قانون الصحافة الذي كان قد شُرٍِِِع في بداية عهد
الاحتلال البريطاني للعراق .

الا ان الجواهري ( الوطني والثائر العنيد ) سخر من الحكم والمحكمة ومن
قاضيها ، باعتبار التهمه تهمه كيديه وتافهة ، مما حدى بالمحكمة وقاضيها
اعتبار ذلك اهانه بحق المحكمة، فقررت تبديل العقوبه وجعلها شهران باضافة
شهر اخر اليها ، وهكذا يكون قد خرج الجواهري من المحكمة الى السجن
المركزي في بغداد ، لقضاء مدة عقوبته الشهرين بدلا من شهر واحد وهكذا
ايضا يكون قد وظفت المسالة الدينيه لأغراض سياسيه للنيل من الخصم حقدا
وكيدا ..
واما عن ردة فعل الجواهري عن الحادث وتعليقه على التهمة والعقوبه وتأثير
ذلك عليه سيأتيكم لاحقا في القسم الثالث

عربي الخميسي




اقـــرأ ايضـــاً
الكاردينال ساكو يرى خوفاً وتساؤلات بعد سوريا
زيارة الوفد العراقي للشرع في دمشق.. ماذا تعني؟
المحاصصة والفساد في العراق.. دعوات لحوار وطني وسط مخاطر تآكل الدولة
السوداني يلاحق مقدمة برامج قضائياً بسبب "رأيها"
لا حلول لـ"الشح".. العراق يلوح بـ"تدويل" أزمة المياه مع تركيا لزيادة حصصه
من أقدم كنائس العراق.. السوداني يؤكد وحدة وتنوع الشعب في قداس الميلاد
شجرة ميلاد كبيرة في العراق منذ 65 عاماً.. ماذا قال عنها رواد الفضاء؟ "صورة"
قرير "إسرائيلي" يصوب نحو الخريطة الجديدة: جاء دور العراق
كنائس أربيل تقيم صلاة القداس بمناسبة عيد ميلاد المسيح، والعراق عطلة رسمية
أمطار وتحذيرات من ضباب كثيف.. العراق على موعد مع كتلة باردة
نساء نازحات.. نجون من "داعش" فعُنفن في الخيام
أطراف في "الإطار" تحذر من تظاهرات وتحركات "البعث".. هل استنسخوا خطة الأسد؟
 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





للمزيد من اﻵراء الحرة