سلط تقرير لصحيفة "ناشيونال" الصادرة بالانجليزية، الضوء على ما وصفه بانه "نهج فريد" من أجل تعافٍ يجري في العراق، ويتمثل في مكتبة متنقلة تتحرك بين الشوارع لتوفير المعرفة والامل في مدينة الموصل التي تعيد ترميم روحها بهدوء.
ولفت التقرير، الذي ترجمته وكالة شفق نيوز، إلى أن المبادرة تم اطلاقها في تشرين الثاني/نوفمبر، تركز على المدارس والجامعات حيث بامكان الطلاب استعارة او قراءة الكتب خلال فترة بقاء الحافلة – المكتبة، لمدة خمسة ايام في كل محطة تتوقف فيها، وهو مسار سيأخذ الحافلة الى ما بعد الموصل والى مناطق اخرى من العراق.
ونقل التقرير عن رئيس قسم ادارة الاعمال في الجامعة الكاثوليكية، عبد الستار عبد الجبار سلطان، قوله ان "كل ما مررنا به، ومس الناس في الموصل واجزاء اخرى من العراق، كان سببه الجهل".
وذكر التقرير بان الموصل وهي ثاني اكبر مدينة في العراق، اول مدينة تسقط في ايدي تنظيم داعش ما بين الاعوام 2014-2017، مشيرا الى انه كانت بمثابة جوهرة تاج "الخلافة" التي اعلنها التنظيم المتطرف في اجزاء من العراق وسوريا.
وبحسب التقرير فان سلطان حمل مسؤولية "التعصب والجماعات التي زرعت افكارا ضارة ومدمرة بيننا" في نشوء ظاهرة التطرف والفصائل المسلحة بعد الغزو الذي قادته واشنطن في العام 2003، ولهذا فانه يعتبر ان التعليم والوصول الى المعرفة، ضروريان من اجل تحقيق التعافي بعد الحرب ولتجنب اعادة تكراراحداث 2014 الى 2017، مضيفا انه "من الصعب حاليا التلاعب بالشخص المتعلم او السيطرة عليه من قبل اي جماعة".
واشار التقرير الى ان الحافلة - المكتبة تتضمن عناوين في الثقافة والفلسفة والاجتماعية والعلوم والادب. ونقل التقرير عن سلطان قوله "وضعنا الكتب الدينية والسياسية جانبا لان هذا ليس الوقت المناسب للطلاب ونحتفظ بها للباحثين فقط".
وبحسب التقرير فان الحافلة تضم حوالي الف كتاب منظمين بشكل لائق على رفوف خشبية مستوحاة من الجدران التي يعود تاريخها الى الامبراطورية الاشورية واقواس ترمز الى الخلافة العباسية، عندما كانت بغداد في العصر الاسلامي مركزا للاقتصاد والسياسة وتستقطب الطلاب والشعراء والعلماء والتجار من كافة انحاء العالم.
ولفت التقرير الى ان الحافلة باللونين الازرق والابيض، وهي مزودة بالواح طاقة شمسية، وتقدم الانترنت مجاناً بالاضافة الى اجهزة كمبيوتر تسمح للقراء الوصول الى ملايين الكتب عبر الانترنت.
وبحسب سلطان فان "نينوى وبغداد كانتا منارات للمعرفة في عهد الامبراطورية الاشورية وخلال العصر العباسي، ولهذا فاننا نحاول جاهدين لجعل الحافلة منارة متنقلة للمعرفة".
وذكر التقرير بما وصفه بانها اكبر معركة حضرية في العالم منذ الحرب العالمية الثانية عندما شنت القوات العراقية بدعم من قوات التحلف الدولي في اكتوبر/تشرين الاول 2016، هجوما لتحرير الموصل من داعش والحاق الهزيمة الميدانية بالتنظيم، مضيفا ان هذا الانتصار جاء بخسائر فادحة حيث قتل عشرات الالاف، وشرد الملايين، وتحولت بلدات واحياء باكملها الى انقاض خلال مرحلة صعود داعش.
وتابع التقرير ان هذا الصراع ترك المباني في خراب، بل ساهم ايضا في تعطيل امكانية الوصول الى التعليم والمعرفة من خلال تدمير المكتبات والاف الكتب والمخطوطات القديمة من المكتبات العامة ودور العبادة.
وذكر التقرير ان الامم المتحدة اطلقت في اوائل العام 2018، مبادرت "احياء روح الموصل"، بعد شهور قليلة على اعلان النصر على داعش، بينما تبرعت الامارات بمبلغ 50 مليون دولار لترميم مجمع مسجد النوري بمئذنته المميزة، بالاضافة الى كنيستين مجاورتين، الساعة والطاهرة، والتي تعرضت جميعها للتخريب من قبل الارهابيين.
وبحسب سلطان، فان "المسألة انها لم تقتصر على تدمير الحجارة فقط، وانما تدمير العقول"، موضحا ان هذه الجماعات المتشددة تهدف الى تدمير المعرفة والثقافة، وليس تدمير جامعة او كنيسة فقط، بل تدمير العقل".
واشار التقرير الى ان زيارات سلطان باعتباره من اعضاء اكاديمية الشباب العربية الالمانية للعلوم والانسانيات في برلين، الى المانيا، الهمته بفكرة المكتبة المتنقلة، مضيفا انه كان منبهرا بثقافة القراءة منذ صغره، والتي تمتد الى ما بعد ساعات الدراسة.
وتابع التقرير ان تطبيق فكرة المكتبة المتنقلة لم يكن سهلا، مشيرا الى العقبات الاولى التي واجهها سلطان والتي كان يفترض به ان يتخطها مثل نقص التمويل، والعثور على مانحين للكتب، ومحاربة البيروقراطية التي منعت استيراد حافلة من المانيا والتي كانت بمثابة هدية مقدمة من الاكاديمية.
وذكر التقرير انه بعد عامين من المحاولات للعثور على داعمين، نجح في جمع 30 الف دولار، بالاضافة الى 10 الاف دولار جاءت من الاكاديمية وبقية المبلغ كان مصدره، مؤيدون اخرون لشراء الحافلة المستعملة التي تتسع لـ 40 راكبا من بائع بالقرب من الموصل، ثم بدأ بعدها بالعمل على تهيئة الحافلة لتكون مكتبة متنقلة.
وفي حين لفت التقرير الى ان استجابة المجتمع كانت شديدة الايجابية للغاية، نقل عن سلطان قوله "لم اتوقع رد فعل الناس على المبادرة. مديرو المدرسة يطلبون منا الزيارات، ولدينا الان مجموعة من عشاق القراءة الذين يتبعوننا اينما ذهبنا".
وخلص سلطان الى القول انه "عندما تقيم مجتمعا مثقفا علميا وثقافيا واجتماعيا، فان لا السياسيين ولا الشخصيات الدينية ولا زعماء العشائر، سيتمكنون من خداعه او التلاعب به"، مضيفا ان هذه الاطراف الثلاثة "تستمد قوتها من مجتمع جاهل، وكلما كان المجتمع اكثر جهلا، كان تأثيرهم أكثر قوة".